وهي هذه المعاملة) أي المخابرة، () لكن (البذر) فيها يكون (من المالك) للنهي عن الأولى في الصحيحين وعن الثانية في مسلم. والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي، بخلاف الشجرة فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه فجوزت المساقاة للحاجة. واختار في الروضة جوازهما مطلقا تبعا لابن المنذر والخطابي وغيرهما. وتأولوا الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى، واختاره الماوردي.
ولا تصح المشاطرة المسماة أيضا بالمناصبة - بموحدة بعد صاد مهملة - كالتي تفعل بالشام، وهي أن يسلم إليه أرضا ليغرسها من عنده والشجر بينهما. وفي فتاوى القفال أن الحاصل في هذه الصورة للعامل، ولمالك الأرض أجرة مثلها عليه. ومن زارع على أرض بجزء من الغلة فعطل بعض الأرض أفتى المصنف بأنه يلزمه أجرة ما عطل منها، وخالفه الشيخ تاج الدين الفزاري، وقال بعدم اللزوم، وهو أوجه. (فلو كان بين النخل) أو العنب (بياض) وهو أرض لا زرع فيها ولا شجر، (صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل) أو العنب تبعا للمساقاة وتعسر الافراد، وعليه حمل خبر الصحيحين أول الباب.
تنبيه: اقتصر المصنف هنا وفي الروضة على ذكر النخل، وكان الأولى له ذكر العنب معه كما قدرته، فإنه قال في التصحيح إنه الصواب. وإنما يجوز ذلك (بشرط اتحاد العامل) فيهما، فلا يصح أن يساقي واحدا ويزارع آخر لأن الاختلاف يزيل التبعية. وليس المراد باتحاده اشتراط كونه واحدا، بل أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه، فلو ساقى جماعة وزارعهم بعقد واحد صح. (و) بشرط (عسر إفراد النخل بالسقي، و) عسر إفراد (البياض بالعمارة) وهي الزراعة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها. وعبر في الروضة بالتعذر، ومراده التعسر كما هنا، فإن أمكن ذلك لم تجز المزارعة لعدم الحاجة.
تنبيه: لو كان بين النخل بياض بحيث تجوز المزارعة عليه تبعا للمساقاة وكان فيه زرع موجود، ففي جواز المزارعة وجهان بناء على القولين في جواز المساقاة على ثمرة موجودة. وقضيته كما قال الزركشي ترجيح الجواز فيما لم يبد صلاحه، فحينئذ لا اختصاص للتعبير بالبياض المجرد. وتبع المصنف في الجمع بين عسر إفراد النخل بالسقي والبياض بالعمارة الروضة كأصلها، والذي اقتصر عليه الجمهور ذكر عسر إفراد النخل بالسقي والعمل، واقتصر الغزالي في كتبه على عسر إفراد البياض المتخلل بالعمارة، وما قاله المصنف أوجه. (والأصح أنه يشترط) في عهد المساقاة والمزارعة (أن لا يفصل) بضم أوله وفتح ثالثه بخطه: أي لا يفصل العاقدان (بينهما) بل يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية، فلو ساقاه على النصف مثلا فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة لأن تعدد العقد يزيل التبعية. والثاني: يجوز الفصل بينهما لحصولهما لشخص واحد.
تنبيه: محل الخلاف كما قال الدارمي حيث بقي من مدة المساقاة ما يمكن فيه المزارعة وإلا امتنع جزما. (و) الأصح أنه يشترط (أن لا يقدم المزارعة) على المساقاة لأنها تابعة والتابع لا يقدم على متبوعه. والثاني: يجوز تقديمها وتكون موقوفة إن ساقاه بعدها بأن صحتها وإلا فلا. وفهم من الأول أنه لا يغني لفظ أحدهما عن الآخر، ولكن لو أتى بلفظ يشملهما كعاملتك على النخل والبياض بالنصف فيهما كفى، بل حكى فيه الإمام الاتفاق. قال الدارمي: ويشترط أيضا بيان ما يزرعه بخلاف إجارة الأرض للزراعة لأنه هناك شريك فلا بد من علمه به بخلاف الآخر إذ لا حق له في الزرع.
والأصح (أن كثير البياض كقليله) في صحة المزارعة عليه، لأن الغرض عسر الافراد والحاجة لا تختلف. والثاني، لا، لأن الكثير لا يكون تابعا.