لأنها إذا وردت على الذمة أشبهت بيع الدين بالدين، لأن العمل دين على العامل، والثمرة وإن لم تكن دينا إلا أنها معدومة فهي في معنى الدين، وبيع الدين بالدين مجمع على بطلانه، وقال السبكي: لم يتبين لي دليل قوي على لزومها، وكنت أود لو قال أحد من أصحابنا بعدم لزومها حتى كنت أوافقه. أجيب عن الأول بأن بيع الدين بالدين قد جوز للحاجة كما في الحوالة، وهذه أولى لشدة الحاجة إليها، وعن الثاني بما مر من القياس على الإجارة. ويملك العامل فيها حصته بالظهور بخلاف القراض لأن الربح فيه وقاية لرأس المال بخلاف الثمرة، نعم إن عقدت المساقاة بعد ظهور الثمرة ملكها بالعقد . وفي فروع ابن القطان أن العامل لو قطع الثمرة قبل أن تبلغ كان متعديا، قال: ولا شئ له. والأول ظاهر، والثاني لا يأتي على القول بأن العامل يملك حصته بالظهور. ثم فرع على اللزوم قوله: (فلو هرب العامل) أو مرض أو عجز بغير ذلك (قبل الفراغ) من عملها (وأتمه المالك) بنفسه أو ماله (متبرعا) بالعمل أو بمؤنته عن العامل، (بقي استحقاق العامل) كتبرع الأجنبي بأداء الدين.
تنبيه: لا يختص الحكم المذكور بالهرب، بل لو تبرع عنه بحضوره كان كذلك. وقوله: وأتمه المالك ليس بقيد، بل لو تبرع عنه بجميع العمل كان كذلك. والمالك أيضا ليس بقيد، فلو فعله أجنبي متبرعا عن العامل فكذلك سواء أجهله المالك أم علمه، ولا يلزم المالك إجابة الأجنبي المتطوع. وقد يفهم من قيد التبرع أنه لو عمل في مال نفسه ولم يقصد التبرع عنه لم يستحق العامل، وكذا لو تبرع الأجنبي عن المالك كما في الجعالة، ويحتمل أن يقال يستحق، ويفرق بينه وبين الجعالة باللزوم، وهذا هو (وإلا) بأن لم يوجد متبرع، الظاهر وإن قال السبكي الأقرب الأقرب الأول (استأجر الحاكم عليه) بعد رفع الامر إليه وثبوت كل من المساقاة وهرب العامل وتعذر طلبه كأن لم يعرف مكانه. (من يتمه) من مال العامل ولو كان ماله عقارا. وهل تجعل نفس الأرض أو بعضها أجرة، أو تباع ويجعل منها أجرة؟ يجب على الحاكم أن يفعل ما فيه المصلحة، فإن لم يكن له مال فإن كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة واستأجر بثمنه، وإن كان قبل بدو الصلاح سواء أظهرت الثمرة أم لا، اقترض عليه من المالك، أو أجنبي أو بيت المال إن لم يجد من يعمل بأجرة مؤجلة مدة إدراك الثمر لتعذر بيع بعضه وحده للحاجة إلى شرط قطعه وتعذره في الشائع واستأجر بما اقترضه ويقضيه العامل بعد زوال المانع، أو يقضيه الحاكم من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح، فإن وجد العمل بذلك استغنى عن الاقتراض وحصل الغرض. ولو استأجر الحاكم المالك أو أذن له في الانفاق فأنفق ليرجع رجع كما لو اقترض منه، ومتى تعذر الاقتراض وغيره قبل خروج الثمرة وبعد بدو صلاحها لم يفسخ المالك لأجل الشركة. ولا تباع الثمرة بشرط القطع لتعذر قطعها للشيوع إلا إن رضي المالك ببيع الجميع فيصح البيع، وقول الروضة هنا: وأن يشتري المالك نصيب العامل بغير شرط القطع، لأن لصاحب الشجر أن يشتري الثمر قبل بدو الصلاح بغير شرط القطع ضعيف، بل قال الزركشي: ما وقع في أصل الروضة هنا سبق قلم. وإن كان ذلك قبل خروج الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة ما عمل.
تنبيه: يستأجر الحاكم أيضا إذا كان العامل حاضرا وامتنع من العمل كما قاله صاحب المعين اليمني. وظاهر كلام المصنف أنه يكتري وإن كانت المساقاة واردة على العين، والذي جزم به صاحب المعين اليمني والنشائي المنع في الواردة على العين لتمكن المالك من الفسخ، وهذا هو الظاهر. وقولهم: استقرض واكترى عنه يفهم أنه ليس له أن يساقي عنه، وهو كذلك. (فإن لم يقدر) أي المالك (على) مراجعة (الحاكم) إما لكونه فوق مسافة العدوي أو حاضرا ولم يجبه إلى ما التمسه، (فليشهد على) العمل بنفسه أو (الانفاق إن أراد الرجوع) بما يعمله أو ينفقه، لأن الاشهاد حال العذر كالحكم، ويصرح في الاشهاد بإرادة الرجوع، فإن لم يشهد كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الاشهاد فلا رجوع له أيضا لأنه