فإن الربح مرجو الحصول، فإن أثمرت استحق وإلا فلا شئ له. وأجاب الأول بأن هذا على عوض غير موجود ولا الظاهر وجوده، فأشبه السلم فيما لا يوجد غالبا، وعلى هذا فله الأجرة وإن لم يثمر لأنه عمل طامعا. (وله مساقاة شريكه في الشجر إذا) استقل الشريك بالعمل فيها و (شرط) المالك (له) أي الشريك (زيادة على حصته كأن يكون الشجر بينهما نصفين فيشرط له ثلثي الثمرة ليكون السدس عوض عمله، فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه لم يصح، إذ لا عوض لاستحقاقه ذلك بالملك، بل شرط عليه في مسألة ما دون نصيبه أن يترك بعض ثمرته أيضا. فإن عمل لم يستحق أجرة لأنه لم يطمع في شئ، وإن شرط له كل الثمرة فسد العقد، لكن يستحق الأجرة لأنه عمل طامعا، وقيده الغزالي كإمامه تفقها بما إذا لم يعلم الفساد وعدم التقييد أوجه كما مر في القراض. أما إذا لم يستقل الشريك بالعمل بأن شرط معاونته له في العمل فإن العقد يفسد، كما لو ساقى أجنبيا بهذا الشرط، فإن عاونه واستوى عملهما فلا أجرة لاحد منهما على الآخر، وكذا لا أجرة للمعاون إذا زاد عمله بخلاف الآخر إذا زاد عمله فله أجرة عمله بالحصة على المعاون لأنه لم يعمل مجانا. واستشكل السبكي مسألة الكتاب بأن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر، قال: والخلاص من هذا أن يقال صورة المسألة إذا قال ساقيتك على نصيبي حتى لا يكون العمل المعقود عليه واقعا في المشترك، وبهذا صور أبو الطيب المسألة تبعا لما أفهمه كلام المزني، لكن كلام غيرهما يقتضي عدم الفرق وهو ظاهر كلام الكتاب اه.
والذي ينبغي أن يقال: إن قال ساقيتك على كل الشجر لم يصح، أو قال ساقيتك على نصيبي أو أطلق صح، والظاهر كما قال شيخنا صحة مساقاة أحد الشريكين على نصيبه أجنبيا ولو بغير إذن شريكه الآخر. ولو ساقى الشريكان ثالثا لم يشترط معرفته بحصة كل منهما إلا إن تفاوتا في المشروط له، فيشترط معرفته بحصة كل منهما. (ويشترط) لصحة المساقاة (أن لا يشرط) المالك في عقدها (على العامل ما ليس من جنس أعمالها) التي جرت عادة العامل بها كحفر بئر، فإن شرطه لم يصح العقد لأنه استئجار بعوض مجهول واشتراط عقد في عقد.
تنبيه: كان الأولى أن يقد المصنف على هذه المسألة بيان أعمال المساقاة ليعرف أن شرط غيرها مفسد كما جر على ذلك في كتاب القراض حيث قال فيه: ووظيفة العامل كذا، ثم قال: فلو قارضه ليشتري حنطة إلخ. ويشترط أيضا أن لا يشترط على المالك في العقد ما على العامل، كذا قالاه، ومقتضاه أنه لو شرط السقي على المالك أن العقد يبطل وهو كذلك وبه صرح في البحر، وسيأتي التنبيه على ذلك. ثم شرع في الركن الرابع وهو العمل، فقال: (و) يشترط (أن ينفرد) العامل (بالعمل) فلو شرط عمل المالك معه فسد بخلاف ما لو شرطا عمل غلام المالك معه بلا شرط يد ولا مشاركة في تدبير فإنه يصح على المذهب المنصوص، ولا بد من معرفته بالرؤية أو الوصف ونفقته على المالك بحكم الملك. وإن شرطت في الثمرة بغير تقدير جزء معلوم لم يصح لأن ما يبقى يكون مجهولا، أو شرطت على العامل وقدرت صح لأن العمل عليه فلا يبعد أن تلزمه مؤنة من يعمل معه وهو كاستئجار من يعمل معه، ولو لم يقدر صح أيضا، والعرف كاف لأنه يتسامح بمثله في المعاملات. وإن شرط العامل عمل الغلام في حوائج نفسه أو استئجار معاون له بجزء من الثمر أو من غيرها من مال المالك لم يصح العقد، أما في الأولى فظاهر، وأما في الثانية فلان قضية المساقاة أن تكون الأعمال ومؤنها على العامل، أما إذا جعلت الأجرة من مال العامل فإنها تصح. (و) يشترط أيضا أن ينفرد (باليد في الحديقة) ليتمكن من العمل متى شاء، فلو شرط كونها في يد المالك أو بيدهما لم يصح.
فائدة: الحديقة: أرض ذات شجر، قاله الليث. وقال أبو عبيدة: وهي الحائط، أي البستان. وقال الغزالي : إنما يقال حديقة البستان عليه حائط. (و) يشترط (معرفة العمل) جملة لا تفصيلا كما يشعر به قوله: (بتقدير المدة كسنة أو أكثر) إلى مدة تبقى فيها العين غالبا للاستغلال، فلا تصح مطلقة ولا مؤبدة لأنها عقد لازم فأشبهت الإجارة.
تنبيه: قد يفهم كلامه أنها لا تجوز على أقل من سنة، وليس مرادا، بل أقل مدتها ما يطلع فيها الثمر ويستغنى