ولكن الظاهر من الماوردي وأبي يعلى كونهما متباينين، فقد مر عن الماوردي قوله:
" والجزية والخراج حقان أوصل الله - سبحانه وتعالى - المسلمين إليهما من المشركين، يجتمعان من ثلاثة أوجه ويفترقان من ثلاثة أوجه ثم تتفرع أحكامهما:
فأما الأوجه التي يجتمعان فيها فأحدها: أن كل واحد منهما مأخوذ عن مشرك صغارا له وذلة. والثاني: أنهما مالا فيء يصرفان في أهل الفيء. والثالث: أنهما يجبان بحلول الحول ولا يستحقان قبله.
وأما الأوجه التي يفترقان فيها فأحدها: أن الجزية نص وأن الخراج اجتهاد. الثاني:
أن أقل الجزية مقدر بالشرع وأكثرها مقدر بالاجتهاد، والخراج أقله أكثره مقدر بالاجتهاد. والثالث أن الجزية تؤخذ مع بقاء الكفر وتسقط بحدوث الإسلام، والخراج يؤخذ مع الكفر والإسلام. " (1) وذكر نحو ذلك أبو يعلى الفراء أيضا. (2) أقول: قد مر منا أن مقدار الجزية أيضا عندنا مفوض إلى الإمام قلة وكثرة، وأن الجزية أيضا قد توضع على الأرض.
وقال الماوردي في فصل الخراج ما ملخصه ومحصله:
" وأما الخراج فهو ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها، قال الله - تعالى -: " أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير. " وفي قوله: " أم تسألهم خرجا " جهان:
أحدهما: أجرا، والثاني: نفعا. وفي قوله: " فخراج ربك خير " وجهان: أحدهما: فرزق ربك في الدنيا خير منه. والثاني: فأجر ربك في الآخرة خير منه.
قال أبو عمرو بن العلاء: والفرق بين الخرج والخراج أن الخرج من الرقاب الخراج من الأرض. والخراج في لغة العرب اسم للكراء والغلة، ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" الخراج بالضمان. " والأرضون كلها تنقسم أربعة أقسام: