أقول: وقد تحصل مما مر من الكلمات أن الصابئة عند فقهاء السنة يعدون من أهل الكتاب وتقبل منهم الجزية، نعم خالفهم في ذلك أبو سعيد الإصطخري منهم.
وأما فقهاؤنا فالمشهور بينهم عدم قبول الجزية منهم وخالف في ذلك ابن الجنيد منا.
ويمكن أن يقال: إن ذكر الصابئين في الكتاب العزيز في عداد اليهود والنصارى المجوس لعله يدل على تمايزهم عن سائر الكفار، وأنه كان يوجد لدينهم وجهة حق وارتباط بالوحي السماوي إما لارتباطهم بأحد الأنبياء السابقين ويعدون لذلك من أهل الكتاب، أو لكونهم من إحدى الفرق الثلاث وإنما ذكروا بالخصوص من باب ذكر الخاص بعد العام لرفع الشبهة.
وما ورد في تعليل أخذ الجزية من المجوس بأنه كان لهم نبي وكتاب يقتضي إسراء الحكم إلى كل من لهم نبي وكتاب سماوي وإن لم يكونوا من الفرق الثلاث.
قال الله - تعالى - في سورة البقرة: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى الصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. " (1) وفى المائدة: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله اليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. " (2) وفي سورة الحج: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة، إن الله على كل شيء شهيد. " (3) ولو ثبت أنهم كانوا في الأصل أهل كتاب سماوي فاعتقادهم الضمني بالعقائد الفاسدة المشوبة بالشرك لا يوجب خروجهم من حكم أهل الكتاب، كما لا يوجب اعتقاد النصارى بالأقانيم الثلاثة خروجهم عن هذا الحكم. هذا.