مقنعا، فطلب منهم أن يوضحوا أمر دينهم حينما يرجع هو من غزوه، فانضم بعضهم إلى المسيحيين. ودلهم بعض إلى أن ينتحلوا دين الصابئين الذين سكنوا معهم مدة في القرون السالفة حين رحلتهم من فلسطين إلى ميسان، فأخذ الحرنانيون بهذه الدلالة انتحلوا الصابئة حذرا من المخمصة.
ثم بعد وفاة المأمون انتشر هؤلاء المنتحلة في البلاد الإسلامية، واكتسبوا العلوم الآداب وتجرؤوا على إظهار عقائدهم الفاسدة ولكن تحت ستار اسم الصابئين، فجعلوا هذا الاسم وقاية وجنة لأنفسهم، وخفي أمر الصابئين الأصليين الموجودين في واسط وميسان. واشتبه الأمر على المفسرين والمؤرخين أيضا، حيث نسبوا الآراء والعقائد الفاسدة الدائرة بين الصابئة المنتحلة إلى الصابئين الأصليين المذكورين في القرآن في عداد اليهود والنصارى. وحيث لم يقفوا على اللغات السريانية والآرامية والعبرية زعموا أن كلمة الصابي عربية بمعنى الخروج من دين إلى دين آخر، مع أن اللفظ في تلك اللغات كان بمعنى الاغتسال والرمس في الماء التعميد. " ثم تعرض لكلام الإمام الرازي وأبي الفتوح الرازي في تفسيريهما ونقد عليهما ثم قال ما محصله:
" إنه في أثر غفلة المفسرين وعدم اطلاعهم اتخذ الحرنانيون اسم الصابئين وقاية لأنفسهم واستطاعوا في قرون متطاولة أن يحتفظوا بأنفسهم تحت ستاره، والصابئون الأصليون أعني المغتسلة تحملوا إلى القرن الحاضر تهمة عبادة النجوم والملائكة، لم يستطيعوا بعد أن يحرزوا حقهم من المصونية الدينية.
والقاضي أبو يوسف في خراجه جعل الصابئة من أهل الكتاب مثل اليهود والنصارى والمجوس. والقفطي مؤلف تاريخ الحكماء قد التفت إلى اختلاف العقائد والآراء الموجودتين في قسمي الصابئة فحمل اختلاف الفقهاء في نكاحهم ذبائحهم على اختلاف موضوع الاستفتاء، فيحل النكاح والذبيحة من صابئة البطائح ولا يحلان من الحرنانيين المنتحلة... " أقول: يمكن أن يقال: إن وجود كتاب لهم نظير الزبور لا يكفي في عدهم أهل