وقد أعتق أمير المؤمنين (عليه السلام) ألف مملوك من كد يده. (1) فهذا ما شرعه الشريعة الإسلامية في الأسارى. وهذا أمر يحكم بحسنه العقل الفطرة. والمعيار في هذه الأمور أحكام الإسلام وموازينه المقررة في الكتاب السنة، لا ما كان يصنعه الملوك والطواغيت المنتحلة به في الأعصار المختلفة باسم الإسلام.
ولأجل ذلك كله لم يشرع الأسر إلا في حق النساء والأطفال، حيث لا قتال لها يغلب على طباعها الانهضام في المجتمع قهرا. ولم يجز عندنا أسر الرجال الكبار من الكفار المقاتلين وإبقاؤهم بالمن أو الفداء إلا بعد ما غلب المسلمون، وصارت الفئة الكافرة المقاتلة مقهورة مثخنة، بحيث ارتفع خطر تجمعهم وهجمتهم ثانيا.
قال الله - تعالى - في سورة الأنفال: " ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم. " (2) وقال في سورة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها.
الآية. " (3) فيظهر من الآيتين الشريفتين منع إبقاء الأسير من الكفار المقاتلين حيا بالمن أو الفداء إلا بعد إثخانهم، والمراد به إكثار القتل والجرح فيهم بحيث لا يقدرون ثانيا على النهوض والتهاجم.
قال في المفردات:
" يقال: ثخن الشيء فهو ثخين: إذا غلظ فلم يسل ولم يستمر في ذهابه. ومنه استعير قولهم: أثخنته ضربا واستخفافا. " (4)