والشافعي لا يمكنه الاستدلال بهذا الخبر لأنه لا يوجب غسل المني لأنه عنده طاهر، ولا بدله أيضا من تخصيص لفظة البول لأنه يرى أن بول الرضيع لا يجب غسله فأما أبو حنيفة فلا بد له من تخصيص أيضا، وحمله على الدم والبول الكثيرين، لأنه لا يوجب غسل القليلين منهما، لأنه يرى أن بول الرضيع طاهر ويعدل عن ظاهره أيضا لأنه لا يوجب غسل المني وإنما يوجب فركه، وقد أجمعنا كلنا على تخصيص هذا الخبر.
ويقال لهم في الخبر الثاني: قد روي هذا الخبر على خلاف ما حكيتم لأنه روي أنه كان لا يتنزه من بوله، وروي أيضا أنه كان لا يستبرئ من البول والاستبراء من البول يختص ببوله لا بول غيره، وليس لهم أن يخالفوا في ذلك، فيقولوا: إن الاستبراء هو التباعد وقد يلزمه التباعد والتنزه عن بوله وبول غيره، ولهذا يقال استبرأت الأمة إذا تباعدت عنها لتعرف براءة رحمها، وذلك أن الاستبراء لا معتبر فيه بأصل وضع اللغة إذا كان في عرف الشرع قد استقر على فائدة مخصوصة، فقد علمنا أن القائل إذا قال: فلان لا يستبرئ من البول أو استبرأت من البول، لا يفهم عنه إلا بوله دون بول غيره، على أن ظاهر الخبر لو كان عاما على ما رووه لوجب تخصيصه بالأدلة التي ذكرناها على أن في هذا الخبر ما يقتضي الاختصاص ببول ما لا يؤكل لحمه، لأنه يتضمن الوعيد وذكر العذاب وعند من خالفنا أن مسائل الاجتهاد لا يستحق فيها الوعيد.
فإن قالوا: لم يلحق الوعيد من حيث لم يتنزه فقط بل من حيث لم يتنزه عن البول مع اعتقاد نجاسته، ومن فعل ذلك يلحقه الوعيد لا محالة.
قلنا: هذا عدول عن الظاهر، وبعد فهذا التأويل يسقط استدلالكم بالخبر، لأن تقدير الكلام على هذا التأويل أنه يعذب، لأنه كان لا يتنزه عن البول مع اعتقاده نجاسته، وهذا لا يدل على نجاسة كل بول، وإنما يدل على خطأ من أقدم على ما يعتقد قبحه ولم يجتنب ما يعتقد نجاسته، لأن الفاعل لذلك في حكم من فعل القبيح، فأين دليلكم على نجاسة جميع الأبوال وهو المقصود في المسألة على أن في الخبر اختلالا ظاهرا، لأنه يتضمن أنهما يعذبان وما يعذبان على كبير وذلك كالمتناقض، لأن العذاب لا يكون إلا على الكبائر وما ليس بكبير فلا عذاب على فاعله عند من جعل في المعاصي كبائر وصغائر من غير إضافة، ولا يصح