قلنا: لو كان في حال المرض يبيح الأبوال لأباح في أوقاتنا هذه، وأبو حنيفة يمنع من ذلك وإنما يجيزه أبو يوسف والشافعي وإذا بطل اعتراض أبي حنيفة فالذي يبطل اعتراض أبي يوسف والشافعي وجهان: أحدهما: إن النبي ص لو كان أباح ذلك للضرورة لوقف عليه وبين اختصاصه بالضرورة، والوجه الثاني: ما روي عنه عليه وآله السلام من قوله: إن الله عز وجل لم يجعل شفاء كم فيما حرم عليكم، ولهذا الذي ذكرناه تأول قوم قوله تعالى: فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما، على أن المنافع هاهنا هي في المكاسب، فإن قالوا: ما أبيح في حال الاضطرار لم يتناوله هذا الخبر الذي رويتموه، لأنه إنما يقتضي نفي الشفاء عما تحريمه ثابت، وما تدعو إليه الضرورة لا يكون حراما بل مباحا.
قلنا: الظاهر يقتضي نفي الشفاء عما حرم في سائر الأوقات، وتخفيف التحريم في حالة دون أخرى عدول عن الظاهر. فإن قيل: معنى الخبر أن شفاؤكم ليس بمقصور على المحرمات بل في المباحات لكم مندوحة، قلنا: هذا أيضا تخصيص للخبر وعدول عن ظاهره.
فإن احتج علينا مخالفونا في نجاسة البول بما يروونه عن النبي ص من قوله: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني، وأنه عام في سائر الأبوال وما يؤمر بغسله وجوبا لا يكون إلا نجسا، وما هو نجس لا يجوز شربه. وبما يروونه عن النبي ص أنه مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي في النميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول، وهذا عام في جميع الأبوال، وبما يروونه عنه ع استنزهوا من البول. فإن عامة عذاب القبر منه، فيقال لهم: قد مضى أن أخبار الآحاد ليست بحجة في الشريعة إذا خلت من المعارضات، ثم أخبارهم هذه معارضة بما تروونه من طرقكم وقد ذكره بعضكم.
فأما ما نرويه نحن من طرقنا فما لا يحصى كثرة، وإذا سلمنا هذه الأخبار ولم نعارضها بما يسقط الاحتجاج بها كان لنا أن نحمل الخبر الأول على ما هو نجس من الأبوال كبول الانسان وبول ما لا يؤكل لحمه، ووجب هذا التخصيص لمكان الأدلة التي ذكرناها.