والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن الأصل في ما يؤكل لحمه أو يشرب لبنه في العقل الإباحة، وعلى من ذهب إلى الحظر دليل شرعي ولن يوجد ذلك في بول ما يؤكل لحمه، لأنهم إنما يعتمدون على أخبار آحاد وقد بينا أن أخبار الآحاد إذا سلمت من المعارضات والقدوح لا يعمل بها في الشريعة، ثم أخبارهم هذه معارضة بأخبار ترويها ثقاتهم ورجالهم تتضمن الإباحة، وسيجئ الكلام في تفصيل هذه الجملة.
وأيضا فإن بول ما يؤكل لحمه طاهر غير نجس، وكل من قال بطهارته جوز شربه، ولا أحد يذهب إلى طهارته والمنع من شربه. والذي يدل على طهارته أن الأصل الطهارة والنجاسة هي التي يحتاج فيها إلى دليل شرعي ومن طلب ذلك لم يجده.
ومما يجوز يعارض به مخالفونا في هذه المسألة ما يروونه عن البراء بن عازب عن النبي ص أنه قال: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله. وبما يروونه أيضا عن حميد عن أنس أن قوما من عرينة قدموا على النبي ص فاستوخموها فانتفخت أجوافهم، فبعثهم عليه وآله السلام إلى لقاح الصدقة ليشربوا من أبوالها.
وأيضا فإن النبي ص طاف بالبيت راكبا على راحلته في جميع الروايات ويدا الراحلة ورجلاها لا تخلو من بولها وروثها أيضا هذا هو الأغلب الأظهر فلو كان ذلك نجسا لنزه النبي ص المسجد عنه.
فإن قيل: قوله ع: لا بأس به، يدل على الطهارة وإنما يقتضي خفة حكمه عن غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال مثل هذه اللفظة فيما لا شبهة في طهارته وإباحته؟
قلنا: لا يجوز أن تحمل هذه اللفظة إلا على الطهارة والإباحة، لأن أهل الشريعة ما جرت عادتهم بأن يقولوا فيما حظره ثابت أنه لا بأس به، على أن بعض النجاسات قد تكون أخف حكما من بعض، ولا يقال فيه لا بأس، وإنما يجوز أن تدخل هذه اللفظة في المجمع على طهارته وإباحته لأن العادة جرت بدخولها فيما هو مباح طاهر على اختلاف فيه ودخول شبهة في حكمه.
فإن قالوا: في حديث العرنيين أنه ع إنما أباحهم شرب أبوال الإبل في حال ضرورة على سبيل التداوي كما يحل الميتة مع الضرورة،