وأدل دليل على جواز أكل صيد غير المحق مع المشاهدة له السمك وقد أخرجه من الماء حيا وإن مات في يده، وأن الصيد للسمك ليس بذكاة حقيقة وإنما أجري مجرى الذكاة الحقيقية في الحكم لا في وقوع الاسم، إجماع أصحابنا المحصلين على أن الشاة المذكاة يحرم منها أربعة عشر شيئا وإجماعهم على أن السمك لا يحرم منه شئ فلو صيده ذكاة حقيقية لحرم منه ما يحرم من الشاة المذكاة ذكاة حقيقية، وأحد لا يقول بذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا نصب الانسان شبكة في الماء يوما وليلة أو ما زاد على ذلك ثم قلعها وقد اجتمع فيها سمك كثير جاز له أكل جميعه وإن كان يغلب على ظنه أن بعضه مات في الماء لأنه لا طريق له إلى تمييزه من غيره، فإن كان له طريق إلى تمييز ما مات في الماء مما لم يمت فيه لم يجز له أكل ما مات فيه، وكذلك ما يصاد في الحظائر ويجمع فيها جاز أكل ذلك جميعا مع فقد الطريق إلى تمييز الميت من الحي.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذه رواية أوردها رحمه الله إيرادا لا اعتقادا، وتحرير ذلك أن الانسان متى نصب الشبكة ووقع فيها السمك وأخذه منها وهو حي فإنه حلال، وإن أخذه وهو ميت فلا يجوز أكله بحال لأنا أجمعنا على أنه ما يموت من السمك في الماء فإنه حرام، وهذا إجماع منعقد من أصحابنا فلا يجوز أن يرجع عنه بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
وإذا صيد سمك وجعل في شئ وأعيد في الماء فمات فيه لم يجز أكله، وإن أعيد إلى غير الماء حتى يموت فيه لا بأس بأكله، والفرق بين الأمرين: إن في الأول مات فيما فيه حياته والثاني مات فيما ليس فيه حياته.
وروي أنه يكره صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة، ويكره صيد الوحش والطير بالليل، ويكره أخذ الفراخ من أعشاشهن وأوكارهن وليس ذلك بمحظور.
والطير إذا كان مالكا جناحيه فلا بأس بصيده بسائر آلات الصيد ما لم يعرف له صاحب فإن عرف له صاحب فلا يجوز اصطياده فإن اصطيد وجب رده على صاحبه، والمقصوص الجناح لا يجوز أخذه لأن له صاحبا فإن أخذه كان حكمه حكم اللقطة في جميع أحكامها.
ولا يؤكل من الطير ما يصاد بسائر أنواع آلات الصيد إلا ما أدرك ذكاته إلا ما يقتله