للإقامة من جهة أن الشخص يتردد دائما في طرقه وشوارعه لقضاء الحوائج اليومية، وما هو الملاك عرفا لصدق عنوان السفر هو السير الزائد على ما كان يتحقق من الإنسان في كل يوم في نقاط محل الإقامة.
ولأجل ذلك ترى أنه يتبادر إلى الأذهان في باب التحديدات المذكورة للمسافات المختلفة كونها معتبرة بين البلاد من دون نظر إلى المحلات والمنازل، لا يلتفتون في تحديداتهم إلا إلى البعد الواقع بين البلدين. وكان هذا المعنى بعينه مركوزا في أذهان أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، فكانوا عند سؤالهم عن مقدار مسافة التقصير يذكرون البعد الواقع بين بلادهم ومقاصدهم، من دون أن يذكر أحد منهم اسما من منزله أو محلته. فيكشف ذلك عن كون المتبادر إلى أذهانهم من اعتبار المسافة اعتبارها من آخر البلد لامن المنزل، ولم يردعهم الأئمة (عليهم السلام) عن ذلك، مع أنه لو كان الاعتبار شرعا بغير هذا المعنى العرفي لكان عليهم التنبيه على ذلك، فراجع أخبار باب المسافة حتى تطلع على ما ذكرناه:
فمنها: رواية أبي ولاد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، وهو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء.
الحديث. (1) ومنها: رواية عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن التقصير في الصلاة فقلت له: إن لي ضيعة قريبة من الكوفة، وهي بمنزلة القادسية من الكوفة. الحديث. (2) ومنها: مرسلة صفوان، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، وهي أربعة فراسخ