وقوله: (تركوك قائما) يعنى به قائما في الخطبة. وكان سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة الخلفاء بعده على القيام فيها، إلى أن وصلت النوبة إلى معاوية فاختار القعود. (1) وتقديم التجارة على اللهو في صدر الآية لعله من جهة كونها عندهم أهم، تأخيرها في الذيل من جهة أن الترتيب الطبيعي يقتضي تقديم الأوضح على الواضح، وكون ما عند الله خيرا من اللهو أوضح.
والمراد بالنداء للجمعة هو الأذان لها، فإنه لم يكن على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نداء سواه، وكان يجلس على المنبر فيؤذن مؤذنه بلال على باب المسجد ثم كان أبو بكر عمر كذلك، حتى إذا كان عثمان وأكثر الناس زاد أذانا للجمعة فأمر بالتأذين الأول على سطح دار له بالسوق وبالثاني على باب المسجد. (2) وإلى هذا يشير ما في بعض الأخبار (3) من كون الأذان الثاني أو الثالث يوم الجمعة بدعة. والتثليث إنما يتحقق بضم أذان الصبح.
وكيف كان فالمراد بالذكر في الآية بقرينة المورد هو الخطبة، والمقصود أمر الناس بأن يسعوا ويسرعوا لإدراك الخطبة ولا يقدموا عليه المشاغل الدنيوية، وهذا بعد ما فرض النداء إلى الجمعة التي أريد بها الجمعة الصحيحة الواجدة للشرائط لا محالة. إن شئت قلت: إن الآيات ليست بصدد تشريع الجمعة وإثبات وجوبها بل نزلت بعد ما كانت من قبل مشرعة وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقيمها، فإنها نزلت بالمدينة وقد عقدها وأقامها (صلى الله عليه وآله وسلم) في طريق مهاجرته إليها على ما في التواريخ. (4) فالآيات الشريفة إنما وردت في مقام التوبيخ والتعيير لمن ترك حضور الجمعة المنعقدة وقدم