نستكشف من مثل هذا الشخص أنه لم يصبح كذابا بعد، بل يستطيع أن يصنع بعض الكذبات المفضوحة، غاية ما هناك أنه لكي يتقن هذا العمل ، ولكي يصبح ماهرا في فن الكذب، يكفي أن يوضع في محيط فاسد أو يقابل مربيا دون مستوى المسؤولية، لأجل أن ننقذ مثل هذا الطفل من الغرق والوقوع في هذه الهوة السحيقة يجب أن نوجه وجدانه نحو الصدق والشهامة، وعندئذ لا يستطيع الكذب أن ينشر جذوره في نفسه ولا يصبح داء مزمنا عنده».
«أما بالنسبة إلى الكذاب الأصيل فالأمر ليس كذلك. هذا الشخص الذي يمتهن التزوير والاحتيال وإن بدأ عمله بكذبات تافهة ومفضوحة لكنه استمر على ذلك فترة طويلة حتى أصبح الآن يكذب بسهولة، يصور الباطل في لباس من الحقيقة، وهنا يجب أن نهتم بالأمر. إنه لا يصدر عن الكذب بصورة عفوية بل يفكر ويخطط ويصمم لما يريد إطارا جميلا، يغير في الموضوع كيف يشاء، ويظهره بالمظهر الذي يريده من جمال أو قبح، لأنه يعلم أنه إذا ألبس الباطل لباسا جميلا من التبريرات والإحتيالات كان ذلك عاملا مساعدا على عدم انفضاح سره» (1).
الكذابون الماهرون:
كان إخوة الصديق يوسف كذابين ماهرين. فإنهم عندما رموا به في البئر جاءوا إلى أبيهم يبكون، يذرفون الدموع الحارة، وقد حملوا معهم ثوبا ملطخا بالدم، وهكذا كانوا قد صمموا للحادثة تصميما مضبوطا يخيل للناظر معه أن ذلك هو الحقيقة، وأن الذئب هو الذي أكل يوسف. هذه الكذبات خطيرة جدا، ولذلك فإن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يستعمل كلمة (الكذاب) في حقهم: