فقال له: يا قنبر ما لك؟
قال: جئت لأمشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك.
فقال له الإمام: إن أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عز وجل، فارجع. فرجع (1).
الإيمان والنفس المطمئنة:
إن عليا عليه السلام رجل الله، ومعتمد على ذات الله عز وجل. ومن كان معتمدا على الله كان ذا نفس مطمئنة وروح هادئة، لا طريق للاضطراب والقلق إلى ضميره. إنه يختلي بربه كل ليلة، في مكة والمدينة، في الكوفة والبصرة، في المدينة والصحراء...
الأمر سواء عنده. إنه يخصص - أينما كان - ساعة من أواخر الليل لمناجاة ربه، والتكلم معه بخشية وتضرع، وبكاء وخشوع... يتكلم بكلمات منبعثة من أعماق القلب، ويسأل الله العون والمدد لجعل قلبه النير أكثر إشعاعا، وضميره الطاهر أكثر صفاء.
لقد كانت الصورة الباطنية والتحولات الروحية التي تطرأ على الإمام علي عليه السلام في مناجاته مع ربه على درجة من الدقة والعمق بحيث يعجز العقل عن إدراكها، ويقصر اللسان عن وصفها. وكان يصادف أن يطلع عليه أحد فيرى ما هو فيه من الفناء في ذات الله والتوجه نحوه فيصف بعض ذلك بعبارات تقصر عن بيان الحقيقة، فيقول أحدهم:
«إذ نحن بأمير المؤمنين في بقية الليل واضعا يده على الحائط شبيه الواله» (2).
ويقول آخر: «... فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة فحركته فلم يتحرك. فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب» (3).