إن المدرسة الأولى لتربية الطفل هي حجر الوالدين. فالوالدن مكلفان بتعليم الطفل حسب مقتضيات فهمه واستعداده بالمحاسن وترغيبه في العمل بها، وإرشاده إلى المساوئ ثم تحذيره من ارتكابها. وبلوغ هذا الهدف لا يتيسر مع المحبة المفرطة التافهة. إن الطفل الذي يجد نفسه حرا من جميع الجهات، ويرتكب كل قبيح وحسن، ثم لا يرى من أبويه في قبال سلوكه إلا المحبة والحنان ينشأ مدللا معجبا بنفسه. إنه لا يكتفي بعدم الاجتناب عن القبيح، بل يتوقع استحسان الناس وتقديرهم لأعماله السيئة، وذلك لأن والديه عاملاه بهذه المعاملة.
بين الخوف والرجاء:
يجب أن يعامل الطفل في البيت بين الخوف والرجاء دائما، يرجو من أبويه المحبة ويخاف منهما الغضب والشدة. يجب أن يعتقد الطفل أنه ليس حرا في ارتكاب الأعمال القبيحة وسيؤاخذ عليها. يجب أن تتوفر في الأسرة: المحبة والشدة والتغافل والمحاسبة ، والترغيب والإهمال... كل في محله، وعلى الآباء والأمهات الاتصاف بهذه الصفات في كل مورد مناسب حتى ينشأ الطفل وفق تربية صحيحة.. في محيط كهذا يحس الطفل بالمسؤولية ولا ينشأ معجبا بنفسه أبدا.
«يلزم القيام بكل ما هو ضروري لصحة الطفل وحفظ سلامته. فحينما يشكو الطفل من الزكام فلا بد من مراقبة مزاجه وحفظه في مكان دافئ بعيدا عن البرد والرطوبة.. لكنه لو بكى بدون علة محسوسة يلزم تركه على حاله يصيح أنى يشاء.
فلو عومل بغير ذلك نشأ بصورة حاكم مستبد، اما عندما يكون الاهتمام به ضروريا فلا بد أن يكون ذلك بدون إفراط، بل يجب الاقتصار على قدر الضرورة.
وهكذا لا يفرط في العطف تجاهه، ولا يصح مطلقا أن يؤخذ الطفل في مرحلة من مراحل حياته كآلة لهو، بل لا بد أن ننظر إليه من أول أمره نظرة اهتمام وجد ، ونظرة داعية إلى أن هذا الطفل سيبلغ في غد ويصبح عضوا بارزا في المجتمع ».