دخل قلوب الآخرين شيء. فخرج إليهم فقال: معذرة إلى الله عز وجل واليكم. يا أهل الصفة إنا أوتينا بشيء فأردنا أن نقسمه بينكم فلم يسعكم فخصصت به أناسا منكم خشينا جزعهم وهلعهم (1).
قد كان احترام الناس وتكريمهم مهما في نظر الرسول الأكرم إلى درجة أنه كان يحاسب كل من يتخلف عن أداء هذا الواجب المقدس. ففي إحدى الغزوات كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي في معسكره فمر بالمسكر عدة رجال من المسلمين فتوقفوا لحظة وسألوا بعض الصحابة عن حال النبي (ص) ودعوا له، ثم اعتذروا من عدم تمكنهم من انتظار النبي حتى يفرغ من الصلاة فيسلموا عليه لأنهم كانوا على أمر عاجل ومضوا إلى سبيلهم «فانفتل رسول الله صلى الله عليه وآله مغضبا، ثم قال لهم: يقف عليكم الركب ويسائلونكم عني ويبلغوني السلام ولا تعرضون عليه الغذاء؟» (2) ثم أخذ يتحدث عن جعفر الطيار وعظمة نفسه وكمال أدبه واحترامه للآخرين...
آداب الصحبة:
ليست فضيلة احترام الناس وتكريمهم في الشريعة الإسلامية الغراء خاصة بالمسلمين فيما بينهم، فإن غير المسلمين أيضا كانوا ينالون هذا الاحترام والتكريم من المسلمين، فقد تصاحب الإمام أمير المؤمنين (ع) مع رجل ذمي خارج الكوفة في أيام حكومته. وكان الذمي لا يعرف الإمام فقال له: أين تريد يا عبد الله؟
قال الإمام علي عليه السلام: أريد الكوفة!
ثم وصلا إلى مفترق طريقين فتوجه الذمي إلى الطريق الذي يريده وانفصل عن الإمام عليه السلام... ولكنه لم يكن قد خطا أكثر من بضع خطوات حتى شاهد أمرا غريبا، فقد رأى رفيقه الذي كان قاصدا الكوفة ترك طريقه وأخذ يتبعه.