إن الآباء والأمهات الواعين يتركون الطفل حرا في مثل هذه المناسبات حتى تخرج استعداداته الكامنة إلى حيز الفعلية، وتتفتح أكمام الشعور بالإبتكار في باطنه، وينشأ إنسانا مستقلا ومعتمدا على نفسه. أما الآباء والأمهات الجاهلون فإنهم بتشديدهم أو إهمالهم يتسببون في شقاء الطفل وتعاسته... إنهم يفسحون المجال له كثيرا أحيانا، ويضيقون عليه كثيرا أحيانا أخرى، وبذلك يوردون نقصا كبيرا على استقلاله واعتماده بنفسه.
الإفراط في فسح المجال:
هناك بعض الآباء يفرطون في فسح المجال لأطفالهم فرارا من عبء المسؤولية أو رغبة في التظاهر بالحب الفارغ، فيتركونهم وشأنهم في جميع أفعالهم وأقوالهم... ولكن لا يمضي زمن طويل حتى يترعرع الطفل وهو جاهل لأبسط واجبات الحياة. عند ذاك يقوم الوالدان بتنبيهه على واجباته واحدة بعد الأخرى، ومن دون أن يؤدي ذلك إلى نتيجة مرضية، لأن أوان التربية قد فات.
«هناك أطفال يجب تكرار كل موضوع عدة مرات معهم: قم، انظر، لا تقتل نفسك، نظف أظفارك وأذنيك، إعتن بنظافة أنفك، سر مستقيما، لا تمزق كتبك، لا توسخ دفاترك، كن مؤدبا في حديثك مع الفراش، لا تتلكم كثيرا.. وغير ذلك.
هؤلاء - وحتى أولياؤهم - يتعبوننا، إننا لا نعلم من هو الذي يستحق اللوم.
لكنه لا ريب في ضرورة توجيه اللوم للوالدين لأنهما لم يبدءا في تربية طفلهما في الوقت المناسب، ولم يعيرا أهمية تذكر لأفعاله. وبهذه الصورة فإن الأطفال الذين كان بالإمكان أن يصبحوا أعضاء نافعين في المجتمع، ويصبحون عالة على الغير، ومما يؤسف له أنهم ليسوا قابلين للإصلاح» (1).