الفاسدة، وإتيان العمل بكل جد واخلاص لله تعالى إنما هو أعظم الذخائر للإنسان عندما يفد على خالقه... في حين أن الوصول إلى هذا الأمر المقدس أمر صعب.
قال علي عليه السلام: «تصفية العمل أشد من العمل» (1).
رجال لا يندحرون:
إن الرجال العظماء ذوي الشخصية الرصينة لا يخسرون المعركة إذا وقعوا موقع السخرية والتحقير من قبل الآخرين، ولا يؤدي ذلك إلى شعورهم بالحقارة والضعة... إن قلوبهم كالمحيط العظيم الذي لا تستطيع الأوساخ والقذارات أن تؤثر فيه وتكدر صفو مائه. إنهم لا ينتقمون من المحتقرين لهم أبدا.
لقد كان أبو هريرة من المعارضين لحكومة الإمام علي عليه السلام. لقد كان في الأسابيع الأولى من خلافة الإمام يجلس على مقربة من أمير المؤمنين عليه السلام، ويتكلم بكلمات مشوبة بالتحقير في حديثه مع أصحابه. وكان يصر على أن يتكلم بصوت عال جدا بحيث يسمع الإمام تلك الكلمات. لقد تألم أصحاب الإمام الذين شهدوا المنظر. وفي اليوم الثاني جاء أبو هريرة طالبا بعض الحوائج من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فلبى جميع حوائجه.
عند ذاك عاتبه أصحابه على ذلك. فقال:
«إني لأستحيي أن يغلب جهله علمي، وذنبه عفوي، ومسألته جودي» (2).
إن عليا (ع) أعظم من أن يتغلب عليه أمثال أبي هريرة بالكلمات المشوبة بالسخرية والتحقير...
إنه أجل من أن تؤثر فيه أحاديث الحقراء والجبناء، وتولد في نفسه الشعور بالحقارة والضعة حتى يفكر في الانتقام.