والاهمال. لقد سيطرت العلوم التجريبية على عقول بعض البسطاء وغرتهم إلى درجة أنهم أنكروا جميع الحقائق التي لا تخضع للحس، فأنكروا وجود الله، وسخروا من الإيمان به وبالأنبياء، وزهدوا بأمر التكامل الروحي والتعالي المعنوي، وهذا هو نقص كبير في المدينة المعاصرة.
قصور العلم:
لقد اعترف مؤسسو المدنية الحديثة بصورة صريحة بأن المعلومات البشرية في هذا العالم الفسيح ضئيلة ومحدودة جدا. وإن العلماء المعاصرين يذعنون إلى قصور العلم عن معرفة ملايين الحقائق الخفية والمودعة في وجود الإنسان والكون.
«يقول أديسون: إن من بين 1 % من مجموع الحقائق لا تعرف سوى جزء من المليون جزء منها. وأما نيوتن فقد قال: ان العلم العام يشبه خليجا لم ألتقط أنا وزملائي سوى بعض الحصى الظريفة من ساحله المترامي» (1).
ولو فرضنا - جدلا - أن الإنسان استطاع في يوم ما أن يدرك بفضل التقدم العلمي الهائل جميع الحقائق العقلائية التي تتصل به وبالكون الفسيح، وتمكن من إخضاعها لمقاييس ثابتة، فيجب أن نقول أنه أدرك جانبا واحدا من حقائق الكون والإنسان ولا يزال يجهل كل شيء عن الجانب الآخر، لأن الحقائق لا تنحصر في المسائل العقلائية، ولا يمكن معرفة جميع الأشياء بالاستدلال العقلي، والمنطق العلمي. إن المسائل العاطفية والحقائق غير العقلائية تشكل ركيزة مهمة من كيان الإنسان، ولا طريق للعقل والمحاسبات العلمية إليها. وعلى الرجال المثقفين والواعين أن يخلصوا أنفسهم من أسر الغرور العلمي إذا أرادوا أن يدركوا الحقيقة كما هي، وأن يعيروا أهمية تذكر للحقائق الاشراقية والواقعيات النفسية غير القابلة للقياس إلي جانب اهتمامهم بالحقائق العلمية والقياسية حتى يستفيدوا الفائدة القصوى من هاتين الطاقتين العظيمتين في