تزكية النفس:
ترى المدينة الإسلامية أن الناس مقيدون في إرضاء غرائزهم والإستجابة لميولهم، كما ترى المدنيات المادية ذلك، مع فارق كبير هو أن المدنيات المادية تهدف إلى ضمان الاستقرار المعيشي للإنسان، ولذلك فإن ترك الحرية في الاستجابة للغرائز إنما يتحدد بإطار المصالح المادية، والحفاظ على النظام الاجتماعي... في حين أن المدينة الإسلامية تهدف إلى أمرين: أحدهما الحفاظ على النظام في الحياة المادية، والآخر الوصول إلى الكمالات الروحية وإحراز الصفات الإنسانية العليا.
إن إحراز المقام الشامخ في الإنسانية لا يتيسر بضبط النظام المادي في المجتمع. فمن يرغب في الوصول إلى هذا الهدف العظيم عليه أن يهتم بتزكية نفسه وتطهيرها من الجرائم والآثام، ويعمل على بلوغ الدرجة التي يستحق معها اعتباره إنسانا واقعيا في ظل الإيمان بالله والتزام المثل العليا. وكما إن استقرار النظام الاجتماعي وضمان حقوق الآخرين يتطلب من الإنسان أن يقيد غرائزه، كذلك الوصول إلى الكمال الإنساني وبلوغ مرحلة القيم والفضائل فإنه لا يتيسر إلا بتقييد هوى النفس والتخلي عن الرغبات اللا مشروعة.
الدين والمدنية:
إن التضاد الذي قد يلحظ أحيانا بين التعاليم الدينية والمدنية المعاصرة ناشئ من هذا الاختلاف في الهدف. فالتعاليم الدينية ترى أن كل عمل يخالف المصلحة الاجتماعية أو يتنافى والسعادة الفردية فهو محرم، وبعبارة أخرى لا يجوز لأي فرد أن يقوم بعمل من شأنه الإضرار بمصلحة المجتمع أو يتصادم مع سعادته الفردية. أما في المدنية المعاصرة فإن كل فرد يعتبر حرا في الأفعال التي لا تتصادم مع النظام الاجتماعي ولا تتضمن الإضرار بالآخرين والتجاوز على حقوقهم، حتى لو كان ذلك العمل مضرا بسعادته كشرب الخمر، والقمار، والزنا، والإنتحار. هذه الحرية هي التي سببت المآسي والمشاكل في عالم الغرب.