لقد تألم عباد من معرفة الخبر.
واضطرب كثيرا وأقسم على الحجاج في أن يتخلى عن قتله لأنه يعيل أربعا وعشرين امرأة وطفلا، وبقتله سوف تختل شؤونهم وتضطرب حياتهم. فرق الحجاج لكلامه وأمر باحضار عائلته إلى دار الامارة. وعندما حضر أولئك إلى دار الامارة واطلعوا على ما صمم عليه الحجاج، وشاهدوا الحالة المزرية التي كان عليها وليهم، بدأوا بالبكاء والعويل...
وفجأة قامت طفلة صغيرة من بينهم، كانت في غاية الجمال وأرادت أن تتكلم، فقال لها الحجاج: ما هي صلتك بعباد!؟
قالت: أنا أبنته.
ثم قالت له بكل صراحة: يا أمير، اسمع ما أقول... وأنشأت تقول:
أحجاج، إما أن تمن بتركه * علينا وإما أن تقتلنا معا أحجاج، لا تفجع به إن قتلته * ثمانا وعشرا واثنتين وأربعا أحجاج، لا تترك عليه بناته * وخالاته يندبنه الدهر أجمعا هذه الكلمات الصريحة والقوية من هذه الطفلة الجريئة أبكت حجاجا القاسي، وجعلته ينصرف عن قتل عباد، ويكاتب عبد الملك بشأنه حتى حصل على عفو الخليفة عنه (1).
2 - الصبي الخطيب:
لما آلت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، أخذت الوفود تتقاطر عليه من أنحاء الدولة لتهنئته... وكان من تلك الوفود وفد الحجاز. كان في ذلك الوفد صبي صغير، قام في مجلس الخليفة ليتكلم، فقال الخليفة: ليتكلم من هو أكبر منك سنا. فقال الطفل:
أيها الخليفة، إن كان المقياس للكفاءة كبر السن ففي مجلسك من هو أحق بالخلافة منك.
فتعجب عمر بن عبد العزيز من هذا الكلام وأيده على ذلك، ثم أذن له في التكلم. فقال :
لقد قصدناك من بلد بعيد. وليس مجيئا لطمع فيك أو خوف منك...