صبي صغير السن لم يمض على دخوله المدرسة أكثر من عدة أشهر وقد تعلم بعض الدروس من كتاب الصف الأول. والآن قد كتب صفحة كاملة لأول مرة، وأظهر نتائج جهوده على صفحة من القرطاس. إن هذه الكتابة تعتبر الإنتصار العلمي العظيم لهذا الصبي... فهي خلاصة الأتعاب التي بذلت معه طيلة عدة أشهر، وهي - بعد - مرآة تعكس شخصيته يثبت عينيه نحو باب الدار ويعد الدقيقة بعد الأخرى لقدوم والده وإراءة هذا الأثر اللامع له...
إنه يأمل في التشجيع والاستحسان من أبيه، وهذه الساعة هي أسعد ساعات حياته.
يدخل الأب إلى البيت، فيركض الصبي لكي يريه ما كتبه ثم يظل ينظر إلى أبيه بعينين نافذتين. إن الأب العاقل الأب العاقل الأب الواعي.. يقرأ كتابة الصبي بإمعان، نافذتين. إن الأب العاقل الأب الواعي.. يقرأ كتابة الصبي بإمعان، فيبتسم... ثم يحمله بين ذراعيه، ويعامله باللطف والمحبة ويكرر الاستحسان والثناء عليه وبهذا يكافئه بأحسن صورة. إن سلوك الأب يمنح الصبي روحا طرية، فيزداد نشاطه وجده، ويستمر في التقدم العلمي بكل شوق ورغبة.
أما الأب الجاهل، الأب المهمل... فإنه يفاجئ الصبي بعكس ما كان يتوقع. لا يقرأ كتابته، وإذا قرأها فلا يستحسن ولا يثني عليه. وأشد من ذلك أن بعض الآباء يجبرون الاخفاق والفشل الذي يلاقونه خارج المنزل بالشدة والخشونة مع الزوجة والأطفال فيرزمون بالصبي الذي كله أمل ورجاء، وبهذا يقتلون روح التقدم فيه، ويحطمون شخصيته ، ويطفئون سراج أمله واطمئنانه.
يبتعد الطفل عن أبيه بروح منكسرة، وقلب متحطم، وينام ليلته مع خاطرة مرة. قد لا يتنبه الأب إلى سلوكه الأهوج أبدا، ولكن الطفل لا ينسى هذا الموقف المؤلم. إن القسم الأكبر من مآسي الأفراد وتعاستهم ينبع من خاطرة مرة، أو نقطة طفيفة... ثم تتسع حتى تعود عليه بالدمار والانهيار.
إن الأطفال الذين لا يلاقون تشجيعا واستحسانا على أفعالهم الطيبة التي