العادات. ان جميع العادات التي حصل عليها في الرحم لا أثر لها في أحواله بعد الولادة. ففي بعض الأحيان يجب تعليم المولود كيفية التنفس. إن الغريزة الوحيدة التي يحملها حينذاك، والتي تكون قد نمت نموا حسنا هي غريزة مص الثدي والارتضاع. وعندما يشتغل بالإرتضاع يأنس بالمحيط الجديد، وتمر عليه سائر أوقات يقظته في حالة عدم شعور مبهم، وإنما يتخلص من هذه الحالة في ساعات النوم التي تستغرق أكثر ساعات اليوم... ثم تتغير جميع هذه الأوضاع من بعد أسبوعين، فيحصل الطفل من تجاربه التي تتكرر عليه خلال هذه المدة بصورة منتظمة على انطباعات يتذكرها حينذاك. ولعل تذكره ذاك يكون أكمل وأكثر من كل الأزمنة اللاحقة، ويتنفر من تغيير كل ما اعتاد عليه وأنس به».
«ان السرعة التي يسير بها الطفل في اكتساب العادات عجيبة. وسيكون حصوله على كل عادة سيئة في أولى أدوار الطفولة سدا أمام اكتسابه العادات الحسنة. ولهذا يعتبر التعود على العادات في أوائل أيامه مهما للغاية. إذ لو كانت العادات الأولية حسنة فسوف نتخلص في المستقبل من الترغيبات وبواعث التشجيع والإطراء التي لا تتناهى، هذا مضافا إلى أنه يبقى في جميع أدوار حياته المقبلة متطبعا على الغزائز المكتسبة في أوائلها وستظل مهيمنة عليه. ولا يمكن للعادات التي اكتسبها فيما بعد المنافية لها الوصول إلى تلك الدرجة من الهيمنة والقوة. ولهذا يجب أن يراعي موضوع العادات الأولية رعاية تامة. إن الأطفال الرضع محتالون أكثر مما يتصوره الأشخاص البالغون والكبار، لأنهم عندما يرون أن نتائج البكاء أنفع لهم فإنهم بلا شك يستعملون هذه الطريقة، وعندما يرون بعد ذلك أن البكاء والعبوس يسبب النفور والاستياء منهم بدلا من الحنان عليهم يتعجبون وتكون الدنيا في أنظارهم تافهة لا فائدة فيها».