المذاهب الفقهية الأخرى لم يحتاجوا إلى القسم بالله العظيم لإثبات أن أئمتهم فقهاء. وإنما اعتمدوا على تراثهم الفقهي والاجتهادي وسيرتهم التاريخية التي اشتهرت بين الناس.
إذا كانت هذه الشبهة لازمة لأحمد وسيرته العلمية وليس في مقدور الحنابلة أن يزحزحوها عنه بالطرق العلمية الموضوعية. فإن التراث الفقهي المنسوب له والذي تشكل منه مذهبه، سيعمق الأزمة من جديد. حيث عرض المحققون الكثير من الشبهات حول نسبة هذا الفقه لأحمد بن حنبل. وكثرت الاعتراضات قديما وحديثا حول هذا الكم الهائل من الآراء والاختيارات الفقهية والأصولية المضمنة فيما سمي " المذهب الحنبلي ". وهذه الشكوك الجديدة والمختلفة عضدت ودعمت فكرة أن الإمام أحمد بن حنبل إنما كان محدثا مشهورا ولم يكن فقيها أو مجتهدا بالمعنى الاصطلاحي لكلمة فقه واجتهاد.
أما مذهبه الفقهي فإن مؤرخي الفكر الإسلامي العام عندما يتعرضون لمذهبه الفقهي فإنهم يتكلمون عن مجموعة فقهية منسوبة للإمام أحمد. وهذا التعبير لا تجده دارجا في وصفهم لباقي المذاهب الفقهية الأخرى (79). يقول الشيخ أبو زهرة: " ومهما يكن حكم العلماء على أحمد من حيث كونه فقيها فإن بين أيدينا مجموعة فقهية تنسب إليه. وروايات مختلفة ومتعددة ذات سند مرفوع تحكى عنه، وقد تلقاها العلماء بالقبول. وإن كان بعضهم منذ القدم قد أثار حولها غبارا وإن لم يحجبها، ولم يطمسها، فإن العين عند الدراسة تواجهه في كشف الحقيقة من ورائه (80).