وعليه فموقف السلفية اليوم الرافض للتصوف جملة وتفصيلا مذموم قطعا باعتراف ابن تيمية نفسه، بل إنهم مخطئون ومبتدعون وضلال. وبذلك يبلغ الموقف أقصى درجات التناقض والتخبط.
وإذا أراد الباحث أن يحقق في الأمر ليرسو على بر، سيجد أن مصدر هذا التناقض الواقعي بين الأتباع والخصوم، إنما مصدره كتابات الشيخ الحراني ومواقفه العملية. فقد ذكرنا سابقا أنه قد دارت بينه وبين الصوفية ملاحم وفتن خصوصا لما كان منفيا، كما أن رأيه في ابن عربي والحلاج صريح فهو يكفر ابن عربي، وهو من هو في التصوف وتاريخ القوم. كما ذم طريقة الغزالي وكان كثير التعرض له والوقوع فيه.
كل هذا إلى جنب ما خطه يراعه في كتبه والتي ينبعث منها الهدوء والوصف الموضوعي والمعالجة العلمية الرصينة. ونعتقد إن ذلك مرده إلى نفسية الشيخ وطبعه فقد كانت تنتابه حدة ومزاج عصيب فينزل على خصومه لا يرى لهم في الحق نصيبا يذكر، وربما كتب أو أفتى وهو متزن المزاج هادئ البال فيكون منه خلاف ما نطق أو أفتى به في حاله الأول.
هذا من جهة أخرى فقد يلقي هذا التناقض الكبير في مواقف الشيخ وكتاباته ظلالا من الشك في كل ما ينسب إليه من رأي وضده. على اعتبار أن التعارض يفضي إلى التساقط. وعليه فإن كلا من السلفية والصوفية ليسوا على شئ في ما يدور بينهم من حرب ضروس. وإن كانت كفة أهل التصوف راجحة لأنهم في موقف من يدافع على نفسه أمام الهجوم السلفي الذي يصدر عن فتاوى الشيخ وآرائه ليضع القوم في خانة الابتداع والضلال أو الكفر.
* البوطي يرد على ابن تيمية والسلفية:
وقد انتبه لهذا التناقض والخلط في كتابات ابن تيمية ومواقفه الدكتور البوطي وهو يعالج بعضا مما اختلف فيه الشيخ مع أهل السنة في العقائد وكذا