تمهيد إن البحث في المذاهب الفقهية والأصولية التي ظهرت في تاريخ الإسلام والمسلمين، يحتاج إلى دراسات تاريخية معمقة وعلمية، بعيدا عن كل تعصب أو انحياز مسبق لجهة ما. على اعتبار أنها الحق، أو أنها الميزان الذي يوزن به غيرها. وإذا كان البحث الموضوعي هو حب الوصول للحقيقة، فلا بد أن يكون بصدق وموضوعية بعيدا عن التأثر بعوامل أخرى، وبذلك يكون الباحث فقد نال شرف خدمة الحق واتباعه..
ولا بد لنا أن نلمس خطورة البحث وأهميته. لهذا يلزمنا أن نتجرد عما يخالف الحقيقة، بل يجب أن نخوضه بروح هادفة، ونية خالصة لمعالجة هذا الموضوع الذي له دخل بواقع المسلمين الحاضر والماضي. فالحوادث المؤلمة التي توالت على مسرح حياتنا في جميع الأدوار وما أدت إليه من نتائج سيئة في المجتمع الإسلامي، وإن كانت نتيجة عوامل كثيرة متداخلة، إنما يعود إلى التعصب المذهبي. فهو المؤثر الأكبر والعامل القوي في تفرق المسلمين شيعا وأحزابا، وقد انقسموا على أنفسهم انقساما شائنا. فكل يتهم الآخر بالانحراف عن الدين، وكل طائفة اعتزلت الأخرى (1).
والحقيقة التي يجمع عليها جل المؤرخين، والمحققين منهم بالخصوص، هي أن ظهور هذه المذاهب لم تكن بمعزل عن الصراعات السياسية، وقيام الأسر الحاكمة، وانهيار الأنظمة السياسية التي تعاقبت على الحكم طوال التاريخ