* نفي التكييف أو " البفلكة ":
وإذا كان المجسمة من حشوية الحنابلة يؤمنون بجري تلك الصفات على الله عز وجل بنفس حقيقتها اللغوية، لكنهم يضيفون أن صفاته تعالى لا تشبه صفة خلقه، فإن ابن تيمية سينحو في ذلك الاتجاه. إلا أنه سيبتدع فكرة نفي التكييف أو ما اصطلح عليه ب " البفلكة " أي بلا كيف. فالاستواء عند أسلاف ابن تيمية هو الجلوس والاستقرار على العرش والمماسة له، وما يتبع ذلك من نزول وصعود كما جاء في الروايات التي يعتقدونها.
أما عند ابن تيمية فإن ذلك الجلوس والاستقرار حقيقة، لكنه جلوس واستقرار يليق بالذات الإلهية من غير تكييف ولا تمثيل.
وإذا كانت هذه هي عقيدة السلف من الصحابة والأئمة وقد حكاها عنهم فإنه سيدعمها. بأدلة عقلية تمثلت في استدلاله بالقياس. فإذا كنا نقول في سائر الصفات كالحياة والعلم والقدرة، بأن له سبحانه علم ليس كعلم البشر وحياة ليست كحياتهم، فلماذا لا نقول أنه له عز وجل يدا ليست كاليد البشرية ووجها ليس يشبه وجه البشر.
وهذا القياس الذي استند إليه ابن تيمية يشكل خطرا على العقائد فضلا عما أحدثه في الفقه من خلاف ومنازعات. بالإضافة إلى أن هذا القياس لا يقوم عند الاستدلال، لأنه قياس مع وجود الفارق. فالصفات كالعلم والقدرة والحياة، موضوعة لمعاني غير مقيدة بالجسمية أو المادة. أما الصفات التي وردت في الخبر كالوجه واليد والقدم فإنها موضوعة لكيفيات مادية محسوسة ومتجسدة، في وجه الإنسان أو الحيوان وما أشبه. إلا أن تؤول أو تأخذ مفهوما مجازيا آخر ليس غريبا على لغة العرب بل درجوا على استعماله، فاليد تأتي بمعنى الجارحة وتأتي بمعنى النعمة وكلا المعنيين جائز لغة، والقرآن نزل بلغة العرب واستخدم الكثير من مجازاتهم وكناياتهم. لذلك فسر أهل التنزيه اليد وغيرها من الصفات الخبرية بما وجدوه في استخدام العرب، أولا لأنه