* أحمد بن حنبل ومحنة خلق القرآن:
قلنا سابقا أن مسألة خلق القرآن ظهرت أواخر العهد الأموي على يد الجعد بن درهم الذي قتل من أجلها. ولما تأسس مذهب الاعتزال كانت مسألة خلق القرآن إحدى عقائد المعتزلة، لكنهم لم يجرؤوا على نشرها. إلى أن جاء عصر المأمون، الذي كان يميل إلى الفلسفة والفكر الحر. فقرب المعتزلة وجعل علماءهم أصحاب مشورته وبطانته، واقتنع بالكثير من عقائدهم. ومنها مسألة خلق القرآن.
وإذا كان المعتزلة يرون أن القرآن مخلوق، فقد أمر المأمون بحمل العلماء والفقهاء على القول بذلك. فتحرك ولاته واستدعوا كل من عرف لديهم من الفقهاء والمحدثين والعلماء وعرضوا عليهم اعتناق فكرة خلق القرآن. لقد أرسل المأمون كتابا إلى والي بغداد إسحاق بن إبراهيم يأمره بامتحان الفقهاء والمحدثين، وأن يعرض عليهم الإيمان والقول بخلق القرآن وأن يحملهم على ذلك ويرغمهم عليه.
* رسائل المأمون لامتحان الفقهاء والعلماء:
يقول المأمون في كتابه الأول، يشرح فيه سبب حمله الناس على القول بخلق القرآن: " أما بعد: فإن حق الله على أئمة المسلمين وخلفائهم الاجتهاد في إقامة دين الله الذي استحفظهم، ومواريث النبوة التي أورثهم، وأثر العلم الذي استودعهم، والعمل بالحق في رعيتهم، والتشهير لطاعة الله فيهم... وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استدلال له بدلالة الله وهدايته، والاستضاءة بنور العلم وبرهانه في جميع الأخطار والآفات أهل جهالة بالله وعمى عنه وضلالة عن حقيقة دينه وتوحيده والإيمان به، ونكوب عن واضحات أعلامه وواجب سبيله وقصور أن يقدروا الله حق قدره ويعرفوا كنه معرفته ويفرقوا