وقد ظهر أخيرا اختلال عجيب ومثير للجدل، عندما ظهرت معارضة سياسية خلفيتها الفقهية والأصولية المذاهب نفسها التي كانت تدعم السلطة فيما مضى، وبينهما علاقة أبوة وبنوة شرعية لا يشك أحد من المطلعين في ذلك.
والسبب في ذلك، دخول عناصر جديدة في الصراع لم تكن شاخصة للعيان فيما مضى.
* السياسة وانتشار المذاهب الفقهية:
نرجع لنقول ولنؤكد حقيقة تاريخية وهي أن المذاهب الفقهية المحصورة اليوم عند أهل السنة والجماعة في مذاهب أربعة، قد نمت وترعرعت في ظل السلطة وتغذت بطعامها وشربت من مائها حد الارتواء. وسبب انتشارها وفرضها على الجماهير المسلمة إنما يرجع إلى تولي دعاتها والمؤمنين باجتهاد أصحابها لمناصب حكومية كان أهمها منصب القضاء. يقول الباحث أسد حيدر: " لقد اتضح لنا أن للحكومات دخلا في نصرة المذاهب وانتشارها.
فإذا كانت الحكومة قوية وأيدت مذهبا من المذاهب تبعه الناس بالتقليد، وظل سائدا إلى أن تزول الدولة. وانتشار المذاهب وعظيم الإقبال عليها لا يدل على قوتها الروحية وعواملها الذاتية. فقد رأينا أن قوة الدعاة وتدخل السلطة أقوى العوامل لنشر المذاهب، يقول شاة ولي الدهلوي: " وأي مذهب كان أصحابه مشهورين، وأسند إليهم القضاء والإفتاء واشتهرت تصانيفهم في الناس، ودرسوا درسا ظاهرا، انتشر في أقطار الأرض، ولم يزل ينتشر كل حين. وأي مذهب كان أصحابه خاملين. ولم يولوا القضاء والإفتاء ولم يرغب فيهم الناس اندرس بعد حين " (6).
والمذاهب الأربعة نفسها كانت تختلف في القوة والانتشار. فقد رأينا أن