الساعة بمسألة، ثم أرجع غدا عنها " (81) وإذا كان أحمد يكره أن تنقل عنه مسائل، وأن ما كتب كان بكراهة منه، أو خفية عنه، فإن المنقول لا بد أن يكون قليلا. وإذا كان كثيرا، فالخطأ قريب راجع في العقل، وقد رويت عنه مسائل كثيرة لا تقل عما روى عن أبي حنيفة ومالك، فكانت تلك الكثرة مع هذا النص ذريعة الخطأ والرد.
ثانيها: أن بعض الصحابة الذين أكثروا من النقل عنه، والذين قد أثرت عنهم عبارات تدل على أنهم نشروا عن أحمد مسائل قبل أن يروه، فحرب الكرماني وهو ممن أكثر الرواية عن أحمد، ذكر أنه نشر أربعة آلاف مسألة بالسماع قبل أن يراه، بل إن الذي روى هذا الفقه وهو أبو بكر الخلال يحكي أن المسائل التي رواها عن حرب، وهي أربعة آلاف هذه قد رواها حرب من غير تلق عن أحمد، وإليك نص ما يقول الخلال: " قال لي: كنت أتصوف قديما، فلم أتقدم في السماع، وقال لي: هذه المسائل حفظتها قبل أن أقدم إلى أبي عبد الله، وقبل أن أقدم إلى إسحاق بن راهويه، وقال لي: هي أربع آلاف عن أبي عبد الله، وإسحاق بن راهويه، ولم أعدها " (82).
وإذا كان الخلال كما يقول الشيخ أبو زهرة وهو يعد كأسد بن الفرات وسحنون في رواية المذهب المالكي، قد روى مسائل لم يتلقها عن صاحبها وهو حي وأن عددها كبير جدا فمن حق العلم أن يتظنن في النقل، وألا يسلم من غير أن يزيل ذلك الريب.
ثالثها: إن المروي عن ذلك الإمام الأثري الذي كان يتحفظ في الفتيا، فيقيد نفسه بالأثر، ويتوقف حيث لا أثر ولا نص بشكل عام - ولا يلجأ إلى رأي إلا في الضرورة القصوى التي تلجئه إلى الافتاء - كان المروي كثيرا جدا والأقوال المروية عنه متضاربة. وذلك لا يتفق مع ما عرف عنه من عدم الفتوى