لكن هذه النصوص قد كشفت لنا وبما لا مجال للشك فيه على أن " السلفية الوهابية " اليوم، والتي تتخذ من أرض الجزيرة والحرمين الشريفين منطلقا لها ولدعوتها، هي في حقيقة الأمر، بعث لعقائد فرقة " الحشوية الحنبلية " والتي عرفت تاريخيا بهذا الاسم. وسنحاول تسليط الضوء على تاريخ هذه الفرقة، نشوؤها وتطورها، وعلاقتها ب " السلف " و ب " مذهب الإمام أحمد بن حنبل " الفقهي والأصولي.
* السلفية التنويرية:
إن مصطلح " السلفية " قد انتشر انتشارا واسعا مع بداية هذا القرن وإلى الآن، في كتب الذين تابعوا وأرخوا لظاهرة الإحياء الإسلامي العام، ونهضة الشعوب الإسلامية للتحرر من الاستعمار وتقاليد التخلف. وقد استعمل الكثير من المؤرخين والمفكرين خصوصا العلمانيين والقوميين بشقيهم " الماركسي والليبرالي " هذا المصطلح في كتاباتهم، ينعتون به مفكري عصر النهضة، وزعماء الحركات الإسلامية الكبرى التي ظهرت في العالم الإسلامي. مثل محمد عبده المصري وأستاذه جمال الدين الأفغاني. ومن سار على نهجهما كأبو شعيب الدكالي والعربي العلوي والزعيم علال الفاسي، وهؤلاء من المغرب الأقصى. أما في الجزائر فعرف الشيخ ابن باديس كداعية سلفي، وفي تونس نشر تعاليم السلفية سالم بوحاجب وطاهر بن عاشور. أما حركة الإخوان المسلمين التي ظهرت بدءا في مصر فيمكن القول بأنها قامت على أساس تبني المبادئ السلفية الكبرى وإعادة التفكير فيها قصد بلورتها وتجذيرها (36).
والسلفية التي دعا لها هؤلاء المصلحون الكبار، ومن تبعهم بعد ذلك أمثال محمد إقبال في الهند، وعلي شريعتي في إيران والمودودي في باكستان، تعتبر