فيقول بعض الكتاب أن سبب ذلك يرجع إلى أن أصحابه أخذوا آراءه الفقهية من أقواله وأفعاله وأجوبته ورواياته، وقد يكون أحمد بن حنبل قد أفتى في إحدى الواقعات بما يتفق مع الأثر، ثم أفتى في أخرى تقارب الأولى ولكن اقترنت بأحوال وملابسات جعلت الأنسب أن يفتي فيها بما يخالف الأولى، وعندها يرى الرواة الاثنين وهم يحسبون أن بينهم تضاربا...
وقد يضطر (أحمد) إلى القياس أي الرأي وأوجه الرأي مختلفة ومتضاربة، وقد يتعارض في نظره وجهان من أوجه الرأي ويذكر الاحتمالين فينسب الرواة إليه قولين. من أجل هذا اختلفت الآراء الفقهية المنسوبة إليه (85).
والحقيقة أن هذا التخريج لأسباب الاختلاف والتناقض، فيه بعضا من الصواب كما أن فيه الكثير من التهافت والتلفيق، ويجعل من أحمد أحد الفقهاء المشتغلين بكثرة الفتوى والردود، والواقع التاريخي عكس ذلك تماما.
فأحمد بن حنبل كان يبتعد كثيرا عن الافتاء. وإنما أغلب أجوبته روايات ونقل للأخبار والأحاديث. وهذه لا ينطبق عليها الاختلاف الكثير عند النقل كما هو موجود في الفتوى الفقهية المبنية على الاجتهاد.
أما المعضلة الأخرى التي حيرت أرباب هذا المذهب والقيمين عليه.
فتمثلت في اختلافهم في تفسير عبارات وردت على لسان أحمد في إجابته عن مسائل سئل عنها. فكانت عباراته ليست صريحة في إثبات الحرمة، أو في بيان أن الحكم هو الطلب على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب، فمثلا كلمة " لا ينبغي " في كثير من إجاباته، فقد ذكروا أنه يستحب فراق غير العفيفة واحتجوا بقول أحمد: لا ينبغي أن يمسكها، فحملوا ذلك على الكراهة. ومسألة أبو طالب: عن الرجل يصلي إلى القبر والحمام والحش. فقال أحمد: لا ينبغي: قال أبو طالب، فإن كان؟ قال: يجزيه.