على بابه يبجله ويرفع مكانه ويعتمده وأصحابه كبديل عن المعتزلة الذين أثاروا تلك الفتنة. وتبعه العامة وطرقوا بابه واحتشدوا حوله، فوجد نفسه في زحمة الأحداث وقد أحاطت به الأسئلة من كل جانب فكان لا بد أن يجيب عن بعضها، ومشت الأمور على عكس ما كان يرغب فيه هذا المحدث.
لذلك يمكننا أن نرجح أن ابن حنبل لربما جاء كضرورة تاريخية، خاصة بأهل الحديث الذين كانت تتجاذبهم مذاهب فقهية وأصولية شتى متفرقة ومتناقضة. فكان يراودهم حلم ما بظهور وبروز شخصية منهم تتوفر فيها الشروط الذاتية والموضوعية، لجمع شملهم ووضعهم تحت قيادة واحدة، وتنظيمهم في تيار موحد، يشبه مثلا مذهب الاعتزال. فكان أحمد بن حنبل وكان السعي الحثيث من طرف أهل الحديث لتحقيق هذا الهدف والتمني.
لقد كان أحمد محدثا وحافظا تستوعب ذاكرته آلاف الروايات، وكان لا يختلف في عقائده الأساسية مع أهل الحديث إلا ما كان من إيمانه بخلافة الإمام علي، وحب أهل بيته. فإن أصحاب الحديث كانت لهم مذاهب مختلفة في الإمام علي، أكثرها اعتناقا عدم القول بإمامته. وإذا كان تيار الحشو سائدا، بل غلب على أهل الحديث ومذاهبهم، وكانوا يتعرضون لغمز العلماء وانتقادهم، فقد ظهرت الفرصة سانحة مع أحمد بن حنبل، فبدأت أفواجهم بالانضواء تحت مذهبه وإعلان انتسابها له، بعد ما صنع له مذهب في الأصول والفروع، ولم يعد الحشوية بعدها فرقة أو تيار ضمن أهل الحديث ولكن أصبح كل حنبلي موسوما بالحشوية، كما عرف كل حشوي بانتمائه لهذا المذهب.
* في الأصول:
إذا كان العلماء قد ناقشوا نسبة أحمد إلى الفقه ونفوا عنه أن يكون فقيها مجتهدا، كما شككوا في معظم ما نسب إليه من فقه، فإن الصراع سيحتدم من جديد حول عقائد أحمد وما كان يؤمن به ويعتقده، فقد تضاربت الأقوال