عرفت أن مفاهيمها متقومة بالتكييف والتمثيل، فلو حذفنا الهيئة والكيفية من اليد، فلا يبقى منها شئ. كما أنا حذفنا الحركة الحسية من النزول لا يبقى منه شئ. إلا إذا حملا على الكناية والتأويل...
وهو ما لا يقبله ابن تيمية وأتباعه. ولو صح حمل هذه المفاهيم عليه سبحانه بالتذرع ب " بلا كيف " و " لا تمثيل " لصح توصيفه سبحانه بكل شئ فيه أدنى كمال ونقول: إنه جسم لا كالأجسام، وله قلب لا كهذه القلوب، وله لسان ناطق لا كهذه الألسنة (35).
* تهافت البفلكة:
إن ما سيصل إليه هذا المجتهد الحنبلي هو التشبيه بعينه، فهو يثبت الأعضاء والأجزاء كالتي للإنسان إلا أنه يقول: " هذا لا يشبه هذا! فهل يا ترى وجد أحدا يقول بأن الله تعالى كبعض خلقه؟ إن أكثر من قال بالتجسيم لم يقل بهذا. بل يكرر دائما * (ليس كمثله شئ) *، ثم يثبت له تعالى ما أثبته ابن تيمية من الأعضاء والحالات. ثم يعود فيقول: ليست هي كأعضاء المخلوقات، ولا كحالاتهم. لكن ابن تيمية لا يرى هذا من التشبيه بل هو عنده الاعتقاد الصحيح، ويقول أن السلف إنما كانوا يذمون المشبهة الذين يقولون: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي (36).
لقد أعلن ابن تيمية مذهبه هذا ليس فقط في فتوى أهل حماه. بل نشر تفاصيله من على منبر الجامع وأثناء تدريسه. ولم يفهم منه العامة إلا التجسيم الذي هو أقرب إلى أذهانهم. فعندما قال: " إن الله ينزل إلى سماء الدنيا، كنزولي هذا ونزل درجة على المنبر لم يقل بلا كيف، أو بلا تمثيل، لأنه كيف ومثل. وحتى لو قال ذلك فإن العامة لن تفهم ما يقصده من بفلكته تلك