إلا فيما يقع من المسائل، ولا يفرض الفروض، ولا يشقق الفروع ويطرد العلل، ولقد كان يكثر من لا أدري ويقتدي بذلك بمالك وابن عيينة.
رابعها: إن أحمد قد اشتهر أنه رجع عن مسائل كثيرة نشرت عنه بخراسان فجردها من نسبتها إليه، فكيف ينسب إليه ما جرد نفسه منه، ونفاه، وأعلن أنه ليس برأي له، وأنه لا يصح نقله عنه.
خامسها: إن الفقه المنقول عن أحمد قد تضاربت أقواله فيه تضاربا يصعب على العقل أن يقبل نسبة كل هذه الأقوال إليه! وافتح أي كتاب من كتب الحنابلة، واعمد إلى أي باب من أبوابه تجده لا يخلو من عدة مسائل اختلفت فيه الرواية بين لا ونعم، أي بين النفي المجرد، والإثبات المجرد - كما يقول الشيخ أبو زهرة -، ولنفتح مثلا كتاب الفروع. في باب من أبوابه، وقد وقع نظرنا على باب من أبواب الزكاة، وهو حكم الزيادة التي يأخذها جامع الزكاة. أتحتسب من زكاة العام المقبل أم لا تحتسب، ثم أتحتسب الهدايا للعامل من الزكاة أم لا تحتسب؟ فقال: " وإن أخذ الساعي فوق حقه اعتد بالزيادة من سنة ثانية، نص عليه، وقال أحمد رحمه الله يحسب ما أهداه للعامل من الزيادة، وعنه لا يعتد بذلك... وإن زاد في الخرص (أي التقدير بالظن) هل يحتسب بالزيادة من الزكاة؟ فيه روايتان " (83).
وهكذا كلما سرت مطمئنا قليلا عثرت باختلاف الروايات كثيرا ثم محاولة التوفيق بتوفيق مقبول، وقريب أو بعيد، وأن ذلك من شأنه أن يثير الريب حول النسبة (84). إن هذه النقاط الخمس التي ذكرها الشيخ أبو زهرة بخصوص الفقه المنسوب لأحمد تعتبر من الإشكالات الوجيهة والتي لم يستطع الحنابلة الإجابة عنها بأجوبة علمية.
أما في ما يخص الاختلاف وكثرة التناقض في الروايات المنسوبة لأحمد