* أحمد بن حنبل وعصره:
عرف النصف الثاني من القرن الثاني، والنصف الأول من القرن الثالث أحداثا كثيرة ومتعاقبة، وهذه الفترة هي التي ولد فيها الإمام أحمد بن حنبل وتوفي فيها، حيث تبدأ بعصر خلافة المهدي وتنتهي عند المتوكل العباسي.
وما يميز هذه الفترة أنها كانت فترة ازدهار واستقرار للسلطة العباسية، وتبعها انتشار واسع للعلوم، حيث نشطت حركة التأليف والترجمة نشاطا متميزا.
وكثرت المناظرات في الأصول والفروع وصنفت في هذه الفترة أمهات المصادر في العلوم الدينية والطبيعية.
وقد واكب هذا الاستقرار السياسي - خصوصا بعد ما استقر الحكم للمأمون بعد انتصاره على أخيه الأمين - ازدهار في العمران، وامتدت الحضارة وتنعم أرباب المناصب والمقربون للسلطان بمباهج الحياة. ونعموا بخيرات البلاد وكانت لهم الثروات الطائلة. وعمرت مجالس العلم والأدب، وأمست دور الكبراء مدارس يغشاها أرباب الفكر وحملة الآثار والأشعار وقادة الفكر، وأمراء البلاغة والبيان، كما وقد تفنن أرباب النعيم وذوي الثراء في اتخاذ مجالس اللهو، - وتباروا في اقتناء المغنيات، وتنافسوا في شرائها بأغلى الأثمان - كما كانت بيوت الخلفاء مجالس للغناء والشراب، يتبارى فيها المغنون في إطراب الخلفاء وفي اتحافهم بكل صوت.
وقد احتفظت كتب الأدب بكثير من أخبارهم، فهم يتذوقون الغناء ويطربون عليه، ويجيزون المغنين ويصلونهم بأسنى الصلات. وكان معظمهم - أي الخلفاء - يحسن الغناء ويعرف أصوله. ويصنع أصواتا يغنيها هو أو يليقها على جواريه أو على المغنين، كما كان هارون والواثق أكثر ما كان في حاشيتهما من المغنين (16). وإذا كانت قصور الخلفاء وبيوتات ذوي الحضوة .