كلمة المركز اكتوى المؤلف، وهو باحث مغربي مختص في علم الاجتماع الديني، بنار الاختلافات التي شغلت أبناء الصحوة الإسلامية، وأدت إلى تخبط عقيدي وفقهي، تمثل في أزمة من مظاهرها الانقسام وتكاثر الفرق والتكفير. فعقد العزم على مواصلة مسيرة البحث لمعرفة أسباب هذه الأزمنة ونتائجها، وقرر السفر إلى الشرق حيث يجد المراجع والمصادر الخاصة بالمذاهب الإسلامية.
وكشف سفر المعرفة حقائق منها أن في العالم الإسلامي حدودا مذهبية أيديولوجية يتم الحفاظ عليها أكثر من الحفاظ على الحدود الجغرافية - السياسية وأن فيه " أصناما ذهبية براقة " ينبغي أن تعرف حقيقتها. وأثار هذا السفر أسئلة كثيرة تتعلق بدعاة سلفية جديدة يقفون وراء الفتن المذهبية التي تمزق وحدة المسلمين.
في سبيل الإجابة عن هذه الأسئلة كان لا بد من متابعة تاريخية تتبين نشوء المذاهب وتكونها، وتوضح طبيعة آراء السلفيين التي تصنف المسلمين بين " سلفي " مؤمن و " بدعي " كافر، بوصف هذه الآراء اختيارات مجتزأه محرفة، واجتهادات حرفية ظاهرية لا تمثل الحقيقة الإسلامية أو آراء السلف الصالح وأعماله. وإضافة إلى أنها كانت، ولا تزال، نتاج سياق تاريخي: سياسي، اجتماعي، أخرجها إلى الوجود لتحقيق أهداف معينة.
تركزت الإجابات في هذا الكتاب الموسوم بعنوان: " السلفية بين أهل السنة والإمامية "، وهو يتألف من قسمين كبيرين:
القسم الأول يبحث في " السلفية: الخلفيات التاريخية والمذهبية "، ويتضمن بحث عدة قضايا: أولاها تعريف السلفية والحشوية وأهل السنة والجماعة والشيعة الإمامية، وثانيتها تعريف المذهب الحنبلي (رحم الحشوية)، ودور السياسة في انتشار المذاهب الفقهية، وأحمد بن حنبل وعصره والمذهب الفقهي والأصولي المنسوب إليه، وثالثتها تقي الدين، أبو العباس بن تيمية الحراني الحنبلي ودوره في " عقلنة الحشو " وفي إثارة الحروب والفتن بين المسلمين وعلاقته بالتصوف،