نهاية القرن الرابع.
كل ذلك وغيره جعل الدعوة إلى اقتفاء أثر السلف الصالح من (الصحابة والتابعين) تأخذ بعدا آخر، أكثر عمقا وأبعد أثرا. لقد خطى المجتمع الإسلامي أشواطا بعيدة في المدنية، جعل الدعوة لتقليد السلف في ملبسهم وسلوكياتهم العامة، خطا أو تيارا خاصا متميزا في الوسط الإسلامي بجانب التيارات الأخرى. لكن هذه الدعوة ستأخذ ابتداء من القرن الرابع الهجري بعدا فكريا ونظريا، بالإضافة للدعوة إلى الالتزام بما كان عليه الصحابة من مظاهر خارجية تمس الحياة اليومية الاعتيادية من ملبس ومأكل، إلى اقتناء وتقليد آرائهم ومذاهبهم الفكرية والاعتقادية.
لقد كانت هذه الحركة بداية تفجر الاختلاف الكبير حول مفهوم السلف وتحديد الفترة الزمنية التي يمكن أن يطلق عليها لغة واصطلاحا " السلف "، ومن هم رجالات السلف الذين سنقتفي أثرهم ونعتنق آراءهم ومذاهبهم؟
وهل يعتبر العلماء والفقهاء ممن ظهر مؤخرا ولم يلتقي بالتابعين، " سلف " لنا يمكن الاقتداء بهم، وقد أصبح للكثير منهم مكانة علمية مرموقة، سواء في الفقه أو الحديث، وباقي العلوم الإسلامية. كما حازوا احترام العامة فقلدوهم في كل ما يذهبون إليه من أفكار وفتاوى فقهية؟. وإذا كانت الخيرية قد اعتبرت في القرون الأولى خاصة، بنص الحديث النبوي. فما قولنا فيمن جاء بعد تلك القرون؟.
* الاختلاف حول مفهوم السلف والخيرية وتحديد الفترة الزمنية:
إن تحول التقليد والاقتداء بالسلف وتطوره من مفهوم المتابعة السلوكية إلى المتابعة في الاعتقادات النظرية والفكرية، قد فجر عدة مشاكل نظرية وعملية.
خصوصا مع ظهور تيار خاص، اتخذ من هذه المتابعة أو التقليد مذهبا مميزا عن باقي التيارات والفرق التي كانت تموج بها الساحة الفكرية الإسلامية.