أنه سبحانه عما يقولون حال في السماء أو فوق العرش، والحق في الجميع أي في هذين القسمين أن الظاهر غير مراد وأن الله سبحانه موجود بلا مكان لأنه خالق المكان ولا يجوز أن يحل فيه، وأنه منزه عن أن يكون في كل مكان أو على العرش أو في السماء، وإن جاز أن تطلق هذه الظواهر مجازا ويراد منها غير ظاهرها وذلك حسب سياق النصوص التي وردت فيها، فهي إطلاقات عربية صحيحة غير مراد ظاهرها عند من تذوق هذه اللغة الفصيحة.
ومن تلك الآيات التي يستدل بها المجسمة أيضا قوله تعالى: * (تعرج الملائكة والروح إليه) * أي: تعرج الملائكة إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء، لأن السماء محل بره وكرامته، وهذا تماما كقول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام * (إني ذاهب إلى ربي) * أي إلى الموضع الذي أمرني به، أو إلى مفارقتكم للتفرغ لعبادة ربي وطاعته، وبمثل الذي قلناه قال القرطبي في تفسيره (18 / 281)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (13 / 416):
(قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء..).
ومن تلك الآيات أيضا قوله تعالى: * (إني متوفيك ورافعك إلي) * ومعناها ورافعك إلى السماء الثانية، كما جاء في الصحيحين في حديث الإسراء أن رسول الله ص وجد سيدنا عيسى في السماء الثانية. فيكون معنى الآية إني رافعك إلى مكان لا يستطيعون أن يصلوا إليك فيه، ولا يعني أن سيدنا عيسى عليه السلام رفع إلى مكان فيه رب العالمين عند جميع العقلاء، كما لا يعني أنه الآن عند الله حقيقة أو جالس مثلا بجنبه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وهذا تماما كقوله تعالى في الظل في سورة الفرقان: * (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) * فقوله * (إلينا) * لا يعني أن الظل في الليل يذهب عند الله وأن الله في مكان فليتيقظ أولوا الألباب ومثله كما تقدم قول سيدنا إبراهيم عليه السلام * (إني ذاهب إلى ربي سيهدين) * لا يعني أنه ذهب إلى بقعة في الأرض كان فيها رب العالمين، فلنبتعد عمن يفهم