كلام النبي ص بل من كلام أحد الرواة، وكلام الرواة ليس حجة في الشرع، لأن الحجة في نص الكتاب والسنة، ونعني بالسنة هنا اللفظ الذي تأكدنا أن النبي ص نطق به، وكذا المعنى الذي أراده، ولا بد لنا هنا أن نضرب مثالا على تصرف الرواة ليتضح هذا الأمر المهم:
حديث (لا شخص أغير من الله) رواه البخاري (13 / 399) ومسلم (2 / 1136) برقم 17) فاستدل من هذا النص بعض المجسمة على أنه يطلق على الله لفظ (شخص) وأن هذا من صفاته سبحانه!! والحق أن الأمر ليس كذلك فقد روي الحديث أيضا في البخاري (8 / 296) بلفظ: (لا أحد أغير من الله... ولا شئ أحب إليه المدح من الله..) فتبين لنا أن الرواة تصرفوا في المتن لأن النبي ص حكاه بلفظ واحد فبعضهم رواه بلفظ (لا شخص أغير من الله) وبعضهم (لا أحد أغير من الله)، والشخص في اللغة: سواد الإنسان والحيوان، يرى من بعد، فلا يطلق إلا على جسم، والله تعالى منزه عن ذلك، وقد صرح بذلك أئمة أهل العلم.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) (13 / 40): (قال ابن بطال: اختلفت ألفاظ هذا الحديث فلم يختلف في حديث ابن مسعود أنه بلفظ (لا أحد)، فظهر أن لفظ شخص جاء موضع أحد فكأنه من تصرف الراوي).
ثم قال الحافظ هناك:
(قلت: وهو المعتمد، وقد قرره ابن فورك ومنه أخذه ابن بطال).
ثم نقل الحافظ ابن حجر هناك عن الخطابي أنه قال:
(إطلاق الشخص في صفات الله تعالى غير جائز، لأن الشخص لا يكون إلا جسما مؤلفا، فخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفا من الراوي، ودليل ذلك أن أبا عوانة روى هذا الخبر عن عبد الملك فلم يذكرها، ووقع في حديث أبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر بلفظ (شئ) والشئ والشخص