أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما، ليس فيه ناقض، ولا معقب، ولا مزيل ولا مغير، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سماواته وأرضه، وذلك من عقد الإيمان، وأصول المعرفة، والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته، كما قال تعالى في كتابه:
* (وخلق كل شئ فقدره تقديرا) *، وقال تعالى: * (وكان أمر الله قدرا مقدورا) *، فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما، وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيما، وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له، والخير والشر مقدران على العباد، والاستطاعة التي يجب بها الفعل، من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مع الفعل. وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل، وبها يتعلق الخطاب، وهو كما قال تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *، وأفعال العباد هي بخلق الله، وكسب من العباد، ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون إلا ما كلفهم، وهو تفسير: (لا حول ولا قوة إلا بالله) لا حيلة لأحد ولا حركة لأحد ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله، وكل شئ يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء، وهو غير ظالم أبدا، ودين الله.... بين الجبر والقدر وبين الأمن والإياس).
الشرح:
اعلموا يرحمكم الله تعالى أن المولى سبحانه موصوف بأنه قادر قدير ومريد.
ومعنى القدرة في اللغة: القوة والاستطاعة، ومعنى القدرة اصطلاحا هنا:
صفة أزلية أبدية يؤثر الله تعالى بها في الممكنات أي في كل ما يجوز في العقل وجوده