فاتضح بهذا أن السلف كانوا يفسرون الاستواء بالملك والقهر والسلطان والجلال والرفعة والكبرياء والعظمة، لا بالعلو الحسي، كما صرح بذلك الإمام الحافظ ابن جرير عنهم، وهذا هو الموافق للشرع والعقل، وهو الذي قاله أهل الحديث من بعدهم. كالحافظ ابن حبان والحافظ البيهقي وبعدهما مثل الحافظ النووي والحافظ ابن حجر الذي يقول في (فتح الباري) (6 / 136) موضحا هذه المسألة:
(ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) ا ه.
قلت: وهذا تأويل صريح للعلو من الحافظ ابن حجر بأنه علو معنوي لا حسي كما تتوهم المجسمة والمشبهة، ولا يحصى كم للإمام الحافظ ابن حجر وللإمام الحافظ النووي من تأويل في شرحهما على الصحيحين البخاري ومسلم.
13 - ابن حبان المتوفى سنة (354) ه يؤول أيضا في صحيحه:
أول الحافظ ابن حبان في صحيحه (1 / 502) حديث: (حتى يضع الرب قدمه فيها - أي جهنم -) فقال:
(هذا الخبر من الأخبار التي أطلقت بتمثيل المجاورة، وذلك أن يوم القيامة يلقى في النار من الأمم والأمكنة التي يعصى الله عليها، فلا تزال تستزيد حتى يضع الرب جل وعلا موضعا من الكفار والأمكنة في النار فتمتلئ، فتقول: قط قط، تريد: حسبي حسبي، لأن العرب تطلق في لغتها اسم القدم على الموضع.
قال الله جل وعلا: * (لهم قدم صدق عند ربهم) * يريد: موضع صدق، لا أن الله جل وعلا يضع قدمه في النار، جل ربنا وتعالى عن مثل هذا وأشباهه) ا ه.