ونوضح فنقول: إعلم أن أحكام الإسلام كانت تصل إليهم بطريق التواتر وإليك بعض ذلك:
أول ما بعث ص واستفاض أمره استفاض أيضا أصل ما يدعو إليه، وذلك أن رسول الله ص كان يلتقي في الموسم عند حج العرب إلى مكة بأفراد كل قبيلة تحج فيدعوهم إلى ما أمره الله تعالى به من أصول التوحيد الذي بعث به، وبقي ص يبلغهم مدة إقامته في مكة وهي الثلاث عشرة سنة قبل أن يهاجر، وهذا مما يجعل أصول دعوته في التوحيد تنتشر عنه إلى النواحي وقبائل العرب بعدد التواتر لا محالة، لأن كل قبيلة من قبائل العرب لا يتصور أن يفد ويحج منها أقل من عشرة أنفس.
ثم لما هاجر عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم استفاض الأمر أكثر وانتشر بين القبائل وفي البلدان وذاع أصل ما يدعو إليه أكثر وأكثر، وأوسع وأبلغ وأشهر، وكانت الوفود من قبائل العرب ترد عليه وفيهم أهل التواتر بلا مثنوية وإليك أمثلة على بعض ذلك معزوة موثقة:
1 - قوم مسيلمة الكذاب قدموا على النبي ص وكانوا وفدا كبيرا واجتمعوا به ص ونقلوا ما أخذوه عنه ص إلى قومهم نقل أهل التواتر، روى البخاري في صحيحه (فتح 8 / 89) وغيره من حديث سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال:
(قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله ص فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه (75)، فأقبل إليه رسول الله ص ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله ص قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيه