فتطاول على الناموس الأعظم، وأظهر للملأ عامة إنه غير مقيد بناموس من النواميس، ولا ينقاد لدين من الأديان، زد على ذلك أنه ربما تحلى بالأسماء الإلهية، وقدس نفسه بتلك الصفات القدسية، فساعده أعوانه وأصحابه.!!
وبالجملة فهو يرى أن كل قوى المملكة مستهلكة في سبيل قهره واستيلائه وشهوته وغضبه مطبقا على نفسه قوله تعالى: " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ".
وهذا القسم من السلطنة حيث ابتنى على الإرادات التحكمية وكان من باب تصرف أحد المالكين في ملكه الشخصي تابعا لإرادات السلطان وميوله، يسمى استبدادا وتحكما وربما يسمى اعتسافا واستعبادا وتصرفا وتملكا، وجهة التسمية ونسبة هذه الأسماء إلى مسمياتها ظاهرة واضحة، وصاحب سلطنة كهذه يسمى الحاكم المطلق، والحاكم بأمره، ومالك الرقاب، والظالم والقهار، وأمثال ذلك، والأمة المبتلاة بهذا الأسر والقهر والذلة تسمى أسيرة وذليلة ورقيقة، وبملاحظة أن حالها حال الأيتام والصغار الذين لم يشعروا بحقوقهم المغصوبة تسمى المستصغرة أيضا - أي المعدودة في عداد الصغار والأيتام - بل بمناسبة أن هذه الأمة مسخرة وفانية في سبيل إرادات السلطان وميوله، ولم يكن حظها من حياتها ووجودها إلا من قبيل حظ النباتات التي لم تخلق إلا لغيرها وليس لها حظ استقلالي أبدا، تسمى لجهلها بحقوقها وظلمها لنفسها بالأمة المستنبتة - أي المندرجة في عداد النباتات البرية والحشائش الصحرائية -.
ثم إن درجات هذا النوع من السلطنة التحكمية مختلف أيضا باختلاف الملكات النفسانية، وإدراكات السلاطين وعقول أعوانهم، ولاختلاف إدراكات الأمة وعلمها وجهلها بوظائف السلطنة وحقوق الأمة ولاختلاف درجات توحيدهم وشركهم في فاعلية ما شاء، وحاكمية ما يريد، وعدم المسؤولية