ونحن قبل التكلم فيما أفاده شيخنا الأنصاري نتعرض للصور التي يلزم من تصرف المالك في ملكه ضرر على جاره، فنقول: تارة يكون المالك محتاجا إلى التصرف في داره بحيث لو لم يحفر فيها بئرا أو بالوعة يتضرر.
وأخرى لا يتضرر بترك التصرف، بل إنما ينتفع بالتصرف ويفوته النفع لو لم يتصرف.
وثالثة لا يتضرر ولا ينتفع بالتصرف بل يكون عبثا ولغوا، وهذا على قسمين، لأنه قد يقصد به تضرر الجار وقد لا يقصد ذلك لكونه غافلا.
أما الصورة الأولى فظاهر كلمات الأصحاب رعاية ضرر المالك فيجوز تصرفه وإن كان ضرر الجار أعظم، بل يجعلونه من مصداق ما تقدم من أنه لا يجب تحمل الضرر لدفع الضرر عن الجار. وكفاك شاهدا على ذلك ما نقله شيخنا الأنصاري (قدس سره) عن الأصحاب ولم ينقل عنهم الخلاف إلا عن صاحب الكفاية، بل صاحب الرياض حمل قاعدة لا ضرر على ما إذا لم يكن غرض إلا الإضرار (1).
فراجع.
وأما الصورة الثانية فظاهر ما نقله الشيخ عن الأصحاب الجواز أيضا، واستدل له أيضا بعموم " الناس مسلطون " بعد تعارض قاعدة نفي الضرر بالنسبة إلى الجار مع قاعدة نفي الحرج بل الضرر بالنسبة إلى المالك.
وأما الصورة الثالثة فيظهر منهم عدم جوازها سواء قصد بتصرفه الإضرار أم لا، لأن المفروض عدم ورود ضرر عليه. ولا يلزم من تصرفه جلب نفع حتى يكون تركه حرجيا، فليس هنا إلا عموم السلطنة وهو محكوم بقاعدة لا ضرر.
إذا عرفت ذلك فنقول: ما يظهر من شيخنا الأنصاري (قدس سره) - من وقوع التعارض بين الضررين أو بين لا ضرر ولا حرج في الصورتين الأوليين وأنه يراعى جانب ضرر المالك أو جانب لا حرج إما لحكومته على قاعدة لا ضرر وإما لتعارضهما