أنواعها، واستقصى ذكر الأنواع، مطبقا على كل نوع نظرية الوسط والأطراف، فجاء في استقصائه وإلحاقه كل فصيلة ورذيلة بالقوة التي تتعلق بها، بما لم يجيئ به غيره ولم يسبقه إليه أحد فيما نعلم، وهو نفسه ادعى ذلك فقال:
" إن إحصاء الفضائل والرذائل وضبطهما، وإدخال البعض في البعض، والإشارة إلى القوة الموجبة لها على ما فصلناه، مما لم يتعرض له علماء الأخلاق " (1 / 71).
وهذه أهم ناحية فنية في الكتاب، وفتح جديد في تحقيق منشأ حدوث خلق الفضيلة والرذيلة، لو اتفق لغيره أن يترسم خطاه، ويتم ما فتحه من هذا الباب من التحقيق، لتقدم على يديه علم الأخلاق تقدما كبيرا. وعلى أساس تحقيقه هذا أسقط فضيلة العدالة من حسابه، فلم يجعلها جنسا مقابلا لأجناس الفضائل الثلاث الأخرى، وهي الحكمة والعفة والشجاعة، باعتبار أن العدالة جامعة لجميع الكمالات بأسرها، لا إنها في مقابلها، وقد فصل هذا الرأي في الباب الثاني، ولا أظن أحدا يقره عليه، ولا يثبت أمام النقد. ولكن هذه المقدمة تضيق عن مثل هذه الأبحاث الدقيقة، كما تضيق عن مقارنة هذا التأليف بالمؤلفات الأخلاقية الأخرى. وقصدنا أن هذا التقسيم من المؤلف.
وإرجاع الفضائل والرذائل إلى أسبابها، وجعل مواضيع الأبحاث هي تلك القوى، وإحصاء أنواع الأخلاق بنوعيها ولوازمها، كل ذلك مستجد، وهي طريقة علمية امتاز بها الكتاب.
تصحيح الكتاب ومراجعه وعدت الأخ الفاضل الألمعي السيد محمد كلانتر، ناشر الكتاب وملتزمه تصحيحا وتعليقا - جزاه الله خير ما يجزي العاملين -: على الاشتراك معه وأعانته على تدقيق وتحقيق هذا السفر الجليل وتصحيحه أيضا عند الطبع، إذا توفق لتهيئة ما يلزم لطبعه، وذلك قبل سنتين. وشاء التوفيق أن يحقق هذه الأمنية، فلم أجد للتخلي عن الوفاء بالوعد سبيلا مهما كلفني الأمر، ويعجبني من هذا الرجل صبره وجلده على المشاق في سبيل نشره، باعتباره أحد الكتب التي يجب إحياؤها في هذا العصر. وهذا منه أحد شواهدي على تأثر الفتيان الكرام الأبرار بهذا السفر الأخلاقي. وقد شاهدت ج: 1