آخر شخص لهذه النزعة له مكانته العلمية المحترمة في الفقه هو صاحب الحدائق المتقدم ذكره. وهذا الثاني - وإن كان أكثر اعتدالا من الأول وأضرابه - كاد أن يتم على يديه تحول الاتجاه الفكري بين طلاب العلم في كربلا إلى اعتناق فكرة الإخبارية هذه.
وعندما وصلت هذه الفكرة الإخبارية إلى أوجها، ظهر في كربلاء علم الأعلام الشيخ الوحيد الآقا البهبهاني، الذي قيل عنه بحق: مجدد المذهب على رأس المائة الثالثة عشرة. فإن هذا العالم الجليل كان لبقا مفوها ومجاهدا خبيرا، فقد شن على الأخبارية هجوما عنيفا بمؤلفاته، وبمحاججاته الشفوية الحادة مع علمائها - وقد نقل في بعض فوائده الحائرية ورسائله نماذج منها - وبدروسه القيمة التي كان يلقيها على تلامذته الكثيرين الذين التفوا حوله، وعلى يديه كان ابتداء تطور علم الأصول الحديث، وخروجه عن جموده الذي ألفه عدة قرون، واتجه التفكير العلمي إلى ناحية جديدة غير مألوفة.
فانكمشت في عصره النزعة الإخبارية على نفسها، ولم تستطع أن تثبت أمام قوة حجته. وتخرج على يديه جماعة كبيرة من أعلام الأمة، كبحر العلوم، وكاشف الغطاء، والمحقق القمي، والشيخ النراقي - المترجم له - وأشباههم.
فيبرز شيخنا المترجم له في عنفوان المعركة الإخبارية والأصولية، وساحتها كربلا، وفي عنفوان معركة الدعوة إلى التصوف، وساحتها أصفهان على الأكثر، فيكون أحد أبطال هاتين المعركتين، بل أحد القواد الذين رفعوا راية الجهاد بمؤلفاته وتدريسه، وساعده على ذلك أنه - رحمه الله - كان متفننا في دراسة العلوم، ولم يقتصر على الفقه والأصول ومقدماتهما، فقد شارك العلوم الرياضية كالهندسة والحساب والهيئة، وله مؤلفات فيها سيأتي ذكرها. كما درس الفلسفة، ويظهر أثر تضلعه في الفلسفة في كتابه هذا (جامع السعادات)، لا سيما في الباب الأول، وفي تقسيمه لأبواب الكتاب وفصوله على أساس علمي متقن برز فيه على كتب الأخلاق السابقة عليه من هذه الناحية. وسيأتي بيان ذلك.
كما أن تأليفه لهذا الكتاب يشعرنا بأمرين:
(الأول) طغيان التصوف من جهة، وطغيان التفكك الأخلاقي عند العامة