من جهة أخرى، وإنهما هما اللذان ألجآه إلى أن يرشد الناس إلى الاعتدال في السلوك الأخلاقي المستقى من منابعه الشرعية، فإنه في الوقت الذي يبني كتابه على مبادئ الفلسفة الإشراقية، حارب فيه من طرف خفي نزعة التصوف، وجعل آراءه ودعوته إلى الأخلاق على أساس الذوق الإسلامي الذي يتمثل في الأحاديث النبوية وما جاء عن آل البيت - عليهم السلام -، فهو في وقت واحد هادم وبان، وبهذا يختلف كتابه عن مثل (إحياء العلوم) الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الروح الصوفية، وهي غايته المثلى.
و (الثاني) من الأمرين حسن اختيار صاحب الترجمة، فإنه لم يسبقه أحد من علماء الإمامية - بعد خريت هذه الصناعة ابن مسكويه المتوفى 421، والشيخ المولى محسن الفيض المتوفى 1091 - إلى تأليف كتاب كامل في الأخلاق مبني على أساس علمي فلسفي موجود بين أيدينا.
شخصية المترجم له وأخلاقه إن أعاظم الناس ونوابغهم لا تأتيهم العظمة والنبوغ عفوا ومصادفة، من دون قوة كامنة في شخصيتهم أو ملكة راسخة في نفوسهم،، هي سر عظمتهم وتفوقهم على سائر الناس. وما كلمة الحظ في الباب إلا تعبير مبهم عن تلك القوة التي أودعها الله تعالى في شخص النابغة. وقد تكون تلك القوة مجهولة حتى لشخص صاحبها الذي يتحلى بها، بل على الأكثر هي كذلك، فيندفع العبقري إلى تلك القمة التي خلقت له أو خلق لها بدافع تلك القوة الكامنة اندفاعا لا شعوريا، وإن كانت أعماله الجزئية التي يقوم بها هي شعورية بمحض اختياره.
وتلاحظ قوة شخصية شيخنا المترجم له في صبره وقوة إرادته وتفانيه في طلب العلم، ثم عزة نفسه، وإن كانت هذه ألفاظا عامة قد يعبر بها عن كثير من الناس، ويصح التعبير بها بلا كذب ولا خداع، إلا أن الدرجة الخاصة من الصبر والإرادة والحب والعزة ونحوها التي بها يمتاز الشخص النابغ تضيق اللغة عن التعبير عنها بخصوصها إلا بهذه الألفاظ العامة الدارجة وتظهر الدرجة الخاصة التي يختص بها صاحبنا من هذه الأمور في ثلاث حوادث منقولة عنه: