تتركوه حتى يبايع، فيسير مع قتل عثمان بيعة علي، فيطمئن الناس ويسكنون فرجعوا إلى علي، وترددوا إلى الأشتر النخعي، فقال لعلي: أبسط يدك نبايعك، أو لتعصرن عينيك عليها ثالثة، ولم يزل به يكلمه، ويخوفه الفتنة، ويذكر له أنه ليس أحد يشبهه، فمد يده، فبايعه الأشتر ومن معه، ثم أتوا طلحة، فقالوا له: اخرج فبايع، قال: من؟ قالوا: عليا. قال: تجتمع الشورى وتنظر، فقالوا: أخرج فبايع، فامتنع عليهم. فجاؤوا به يلببونه، فبايعه بلسانه ومنع يده، فقال أبو ثور: كنت فيمن حاصر عثمان فكنت آخذ سلاحي وأضعه، وعلي ينظر إلي لا يأمرني ولا ينهاني، فلما كانت البيعة له، خرجت في أثره، والناس حوله يبايعونه، فدخل حائطا من حيطان بني مازن (1)، فألجأوه إلى نخلة، وحالوا بيني وبينه، فنظرت إليهم وقد أخذت أيدي الناس ذراعه، تختلف أيديهم على يده ثم أقبل إلى المسجد الشريف، وكان أول من صعد المنبر طلحة فبايعه بيده، وكانت أصابعه شلاء، فتطير منها علي، فقال: ما أخلقها أن تنكث، ثم بايعه الزبير وسعد (2) وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعا، ثم نزل فدعا الناس، وأمر مروان، فهرب منه، وطلب نفرا من بني أمية وابن أبي معيط فهربوا، وخرجت عائشة باكية تقول قتل عثمان رحمه الله، فقال لها عمار (2):
بالأمس تحرضين عليه الناس، واليوم تبكينه، ثم جاء علي إلى امرأة عثمان فقال لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري، دخل عليه رجال لا أعرفهم إلا أن أرى وجوههم، وكان معهم محمد بن أبي بكر، فدعا علي محمدا، فسأله عما ذكرت امرأة عثمان، فقال محمد: صدقت، قد والله دخلت عليه، فذكر لي أبي، فقمت عنه، وأنا تائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته، ولا أمسكته، فقالت:
صدق، ولكن هو أدخلهم. قال: ثم خرج طلحة، فلقي عائشة، فقالت له: ما صنع الناس؟ قال: قتلوا عثمان. قالت: ثم ما صنعوا؟ قال: بايعوا عليا، ثم أتوني فأكرهوني ولببوني حتى بايعت. قالت: وما لعلي يستولي على رقابنا، لا أدخل المدينة ولعلي فيها سلطان، فرجعت. وكان الزبير خارجا لم يشهد قتل عثمان، وكان عمرو بن العاص بفلسطين يوم قتل عثمان، فطلع عليه راكب من